الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً } * { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً }

قوله - عز وجل -: { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } والقنطار: قيل: مائة رطل.

وقيل في حرف ابن مسعود: " قنطاراً من الذهب ".

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: إن كرهت امرأتك أو أعجبتك غيرها؛ فطلقت هذه وتزوجت تلك، فأعط هذه مهرها وإن كان قنطاراً.

والقنطار: اثنا عشر ألف درهم، أو ألف دينار.

وقيل: القنطار ألف ومائتا دينار، فهذا على التمثيل، ليس على التقدير، ووجه النهي والوعيد في ذلك - والله أعلم - ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ النِّسَاءَ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ، اتَّخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ - تَعَالَى - وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ تَعَالَى " فوعد - عز وجل - الأزواج في غير آي من القرآن عن أخذ مهور النساء وغيرها من الأموال؛ لضعفهن في أنفسهن، والرجال هم القوامون عليهن؛ لئلا يبسط الأزواج في أموالهن؛ إشفاقاً عليهن، أو لما إذا أخذ منها مهرها تبقى تلك المنفعة بلا بدل، وذلك زنا؛ وعلى هذا يجيء ألا يجوز له أن يخلطها؛ لأنه إذا أخذ منها مهرها بقيت له المنفعة بلا بدل، لكنه أجيز له ذلك؛ لأنه تقلب في الملك، وكل من تقلب في ملكه ببدل يأخذه جاز له ذلك.

وقوله - عز وجل -: { أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً }.

قيل: ظلماً بغير حق.

وقيل: إذا أراد طلاقها لا يضارها بكذب لتفتدي منه مهرها.

{ وَإِثْماً مُّبِيناً }: ويحتمل أن يكون البهتان والإثم واحداً.

وقوله - عز وجل -: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ }.

قيل: الإفضاء: هو الجماع. والأشبه أن يكون الإفضاء: الاجتماع؛ لأنه أضاف إليهما جميعاً، فهو بالاجتماع أشبه وإليه أقرب؛ فيجب المهر بالاجتماع والخلوة بها، والجماع فعل الزوج، يضاف إليه خاصة.

وقوله - عز وجل -: { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً }.

قيل: عقدة النكاح.

وقيل: هو ما ذكرنا في قوله - تعالى -:فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } [البقرة: 229].

وقيل: الميثاق الغليظ ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلمِةَ اللهِ، وَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لاَ يَمْلِكْنَ مِنْ أَمْرِهِنَّ شَيْئاً ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّاً، وَإِنَّ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَإِنَّ مِنْ حِقِّكُمْ عَلَيهِنَّ أَلاَّ يُوطِئنَّ فُرُشَكُمْ، وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لأِحَدٍ تَكْرَهُونَهُ، وَلاَ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مبُيَنِّةٍ، فَإِنْ هُنَّ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَقَدْ أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ - يعني: غير شائن - وَإِنَّ مِنْ حَقِّهِنَّ عَلَيْكُمُ الكُسْوَةَ والنَّفَقَةَ بِالْمَعْرُِوفِ ".


السابقالتالي
2