الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

وقوله - عز وجل -: { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ }

يحتمل قوله: { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ } كذا؛ أي: توفيق التوبة وهدايته على الله - سبحانه وتعالى - إذا كانت نفسه ترغب فيها، وتميل إليها على الله أن يوفقه على ذلك؛ إذا علم الله منه أنه يتوب.

ويحتمل قوله: { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } سبحانه وتعالى أي: قبول التوبة على الله - تعالى - إذا تاب ورجع عما كان فيه وارتكبه.

وفي قوله - أيضاً -: { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } لمن ذكر، يحتمل قبولها بمعنى أن الذي لا يُسَوِّفُ التوبة ولا ينتظر بها وقت المنع عن ركوب ما عنه يتوب والإياس من إمكان العود إلى ما عنه يتوب، فالله يقبلها إذا كان ذلك دأبه وعادته.

وإن بلغ هو ذلك الضيق بأمر دفع إليه، أو كان يتوب من قريب من الذنب بألا يستخف به؛ فيترك الرجوع؛ لقلة مبالاته به، فلا يقبلها ممن هذا وصف توبته، وحال استخفافه بالذنب.

والثاني: أن يكون توفيق التوبة والهداية إليه ممن يفزعه ذنبه ويبعثه على الرجوع إلى الله، والتعرض لرحمته وإحسانه، ولا يوفق من لا يبالي بالذي يذكر ولا يتضرع إليه.

وقيل: الأول في الصغائر، والثاني في الكبائر، والثالث في الكفر: بأن صاحب الصغيرة أرق قلباً وأخص ذكراً له ورجوعاً إلى ربه، وصاحب الكبيرة أقسى قلباً من الأول وأظلم، فهو لا يندم إلا بعد شدة، وبعد طول المحنة وضيق القلب، فليس على الله قبول توبة من يتوب في تلك الحال، ولا توبة من بان منه ما يأمله بالذي عليه قبول ذلك، ولكن بفضله وبرحمته يقبل ويوفق له بما كان منه من الخيرات والحسنات التي هُنَّ أسباب التقريب إلى الله - سبحانه وتعالى - والكافر لا يقبلها؛ إذ هو لا يتوب حتى يموت؛ فيستيقن بالعذاب، والله أعلم.

ويحتمل أن تكون هذه الأجرة في الكفار؛ فيكون فيهم من يظهر التوبة عند الضرورة والدفع إلى الحال التي يزول عنه وسع الإمكان، ويأنس من الإمهال؛ ليصل إلى ما كان له يذنب، فالله لا يقبل توبته؛ إذ ليست في الحقيقة تَوْبَةُ مَمكَّنٍ، بل توبة مضطر، وتوبة دفع ما حل به، إذ هو وقت يشغل عن الاستدلال، وعن الوقوف على الأسباب من جهة التأمُّل والنظر، ولا يرى غير الذي أقبل عليه يظن أن له الخلاص بالذي يبدّل، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ }.

هذا - أيضاً - يحتمل وجهين:

يحتمل جهل الفعل؛ فيقع فيه من غير قصد.

ويحتمل: قصد الفعل، والجهل بموقع الفعل.

والعمل بجهالة يخرَّج على وجوه: يكون عن غلبة: تغلب عليه شهوته؛ فيعمل ذلك العمل على طمع منه أنه سيتوب من بعد، ويصير رجلاً صالحاً؛ على ما فعل إخوة يوسف، حيث قالوا:

السابقالتالي
2