[قوله - عز وجل -:] { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ }. ذكر الاستفتاء، ولم يذكر: فيم استفتوا؟ لكن في الجواب بيان أن الاستفتاء فيم كان، وقال: { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ }. والكلالة: ما ذكر: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي... } إلى آخر ما ذكر. قال جابر - رضي الله عنه -: فيَّ نزلت الآية. وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: " ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، ثم طعن في صدري بأصبعه، فقال: " [ألا] يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي في آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ؟! " ، وفيه دلالة أن قد يترك بيان ما يدرك بالاجتهاد والنظر، ولا يبين؛ ليجتهد، ويدرك بالنظر؛ لأن عمر - رضي الله عنه - سأل غير مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبينه، وأشار إلى الآية التي فيها ذكر ما سأل عنه؛ لينظر ويجتهد؛ ليدرك. وفيه دليل جواز تأخير البيان؛ لأن عمر - رضي الله عنه - سأله غير مرة، ولم يبينه حتى أمره بالنظر في الآية، وعمر - رضي الله عنه - لم يكن عرف قبل ذلك؛ فدل على جواز تأخير البيان. وروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال: الكلالة: من ليس له ولد ولا والد، وكذلك قال عمر - رضي الله عنه - وقال: إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً قاله أبو بكر. وسئل ابن عباس - رضي الله عنه - عن الكلالة؟ فقال: من لا ولد له ولا والد. وروي عن جابر - رضي الله عنه - قال: مرضت؛ فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر الصديق معه؛ فوجدني قد أغمي عليَّ؛ فصبَّ وضوءه عليّ، فأفقت؛ فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي؟ وكان لي تسع أخوات؛ فلم يجبني حتى نزل قوله - تعالى -: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ... } إلى آخر ما ذكر، قال جابر - رضي الله عنه -: فِيَّ نزلت الآية. قال بعض الناس: إذا مات الرجل؛ وترك ابنة وأختاً - فلا شيء للأخت؛ لأن الله - تعالى - قال: { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } والابنة ولد؛ [فلا ميراث] للأخت وللأخ مع الابنة؛ لأنها ولد؛ فيقال: إن الله - عز وجل - جعل للابنة النصف؛ إذا لم يكن معها ابن؛ بقوله تعالى:{ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } [النساء: 11]؛ فإذا مات وترك ابنة وأختاً فللابنة النصف، وذلك النصف الباقي إذا لم يُعْطَ للأخت - يرد إلى الابنة؛ فيكون لها كل الميراث، وقد جعل الله - تعالى - ميراثها إذا لم يكن معها ولدٌ ذَكَرُ - النصف، أو لا يردّ إلى الابنة؛ فيجب أن ينظر أيهما أحق بذلك النصف الباقي؛ فجاء في بعض الأخبار: أن الأخوات مع البنات عَصَبَة؛ لذلك كانت الأخت أَوْلَى بذلك النصف الباقي، والله أعلم.