الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } يحتمل وجهين:

يحتمل قوله - تعالى -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ... } [أي: تريدون] أن يفرقوا بين الله ورسله؛ فيكون قوله: { يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ }: في الدهرية؛ لأنهم يكفرون بالله، ولا يؤمنون به، ويقولون بقدم العالم، فذلك فيهم، وقوله: { وَرُسُلِهِ } يكون في الذين يؤمنون بالله ويكفرون بالرسل كلهم.

وقوله - عز وجل -: { وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ }:

في الذين كفروا ببعض الرسل وآمنوا ببعض الرسل، ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض.

ثم أخبر - عز وجل - عنهم جميعاً - مع اختلاف مذاهبهم - أنهم كفار، وحقق الكفر فيهم بقوله - تعالى -: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً }.

ويحتمل أن يكون فيمن آمن ببعض الرسل وكفر ببعض [الرسل]؛ فيكون الكفر ببعض الرسل كفراً بالله، وبجميع رسله، وبجميع كتبه؛ لأن كل واحد من الرسل يدعو الخلق كلهم إلى الإيمان بالله، والإيمان بجميع الرسل والكتب، وإذا كفر بواحد منهم - كفر بالله وبالرسل جميعاً، والله أعلم.

[وقوله - تعالى -: { وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً }.

أي: ويتخذون غير ذلك سبيلا؛ على طرح إرادة " أن " ، أي: يتخذون بين ذلك، أي: بين إيمان ببعض الرسل، وكفر ببعض الرسل - ديناً؛ فذلك لا ينفعهم إذا كفروا ببعض الرسل].

وقوله: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }.

يحتمل وجهين:

يحتمل: أولئك هو الكافرون الذين حق عليهم الكفر بالله.

والثاني: يكفرون ببعض الرسل؛ أنهم - وإن كفروا ببعض الرسل - فقد حق عليهم الكفر بالله تعالى؛ لأن الكفر بواحد من الرسل كفر بالله وبالرسل جميعاً.

وقوله - عز وجل -: { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }. [قوله: { مُّهِيناً } ]: يهانون فيه.

ثم نعت المؤمنين فقال - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ }.

يعني: من الرسل، وقالوا:آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [البقرة: 136] إلى آخر ما ذكر.

وفي الآية دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم لا يسمون صاحب الكبيرة مؤمناً، وهو قد آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد من رسله؛ فدخل في قوله - تعالى -: { أُوْلَـٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ } وهم يقولون: لا يؤتيهم أجورهم.

{ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }.

أخبر - عز وجل - أنه لم يزل غفوراً رحيماً، وهم يقولون: لم يكن غفورا رحيما ولكن صار غفورا رحيماً، وبالله العصمة.