الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } * { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

قوله عز وجل: { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } ، { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا }

قيل: كان هذا الحكمان في أول الإسلام: الأول منهما للمرأة، والثاني للرجل.

وقيل: إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة، وآية الحبس كانت في حبس المرأة.

ويحتمل أن تكون آية الآذى في البكر في الرجل والمرأة جميعاً، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة جميعاً.

ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصّة: فيما يأتي الذكرُ ذكراً؛ على ما كان من فعل قوم لوط، وآية الحبس في الرجال والنساء جميعاً.

فإن كانت آية الأذى في الرجال خاصّة؛ ففيها حجة لأبي حنيفة - رضي الله عنه - حيث لم يوجب على من عمل عمل قوم لوط الحدَّ؛ ولكن أوجب التعزير والأذى، وهو منسوخ إن كان في هذا، وإن كانت في الأول؛ فهي منسوخة.

ثم اختلف بما به نسخ:

فقال قوم: نسخ بقوله:ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } [النور: 2].

لكن عندنا هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما؛ فكيف يكون به النسخ؟! ولكن نسخ عندنا بالخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: البِكْرُ بِالبِكْرِ، والثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، البِكْرُ يُجْلَد ويُنْفَى، والثَّيِّبُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ " ؛ ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة.

فإن قيل: في الآية دليل وعد النسخ بقوله: { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }؛ فإنما صار منسوخاً بما وعد [الله] في الآية من النسخ، لا بالسنة.

قيل: ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا والوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكوراً؛ لأن الله - عز وجل - لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ؛ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية؛ فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه بوحي يكون قرآناً يتلى وبين أن ينسخه بوحي لا يكون قرآناً، وفيه أخبار كثيرة:

روي أنه رجم ماعزاً لما أقرّ بالزنا ومراراً، ورجم - أيضاً - غيره: ما روي أن عسيف الرجل زنا بامرأته، وقال: سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى، وقال: " وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ هِيَ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ".

وعن عمر - رضي الله عنه - قال: خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائله: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل، وقامت البينة، أو اعترف، وقد قرأناها: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله " ، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8