قوله - عز وجل - { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ }. اختلف في تأويله وتلاوته: قال بعضهم: { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ } من الدعاء إلا من ظلم؛ فإنه لا بأس أن يدعو إذا كان مظلوماً. وقال آخرون: { ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } هو الشتم؛ أخبر أنه لا يحب ذلك لأحد من الناس، ثم استثنى إلا مَنْ ظلم واعْتُدِيَ عليه؛ فإن رد عليه مثل ذلك، فلا حرج عليه. وكذلك قال ابن عباس - رضي الله عنه - قال: { ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أن يشتم الرجل المسلم في وجهه، إلا أن يشتمه فيرد كما قال، وذلك قول الله - عز وجل -: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } ، وإن يعفو فهو أفضل. وقرأ بعضهم: " إلا من ظلم " بالنصب، فهو يحتمل: إلا من ظلم؛ فإن له الجهر بالسوء من القول، وإن لم يكن له ذلك؛ وهو كقوله - تعالى -:{ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [البقرة: 150]؛ فإنهم - وإن لم يكن لهم حجة عليكم - فإنهم يحتجون عليكم؛ فعلى ذلك الظالم، وإن لم يكن له الجهر بالسوء من القول فإنه يفعل ذلك، والله أعلم. ومن قرأ: { إِلاَّ مَن ظُلِمَ }: بالرفع - فتأويله ما ذكرنا - والله أعلم -: أنه لا يبيح لأحد الجهر بالسوء من القول إلا المظلوم؛ فإنه يباح له أن يدعو على ظالمه، وينتصر منه. والثاني: ما قيل: من سب آخر، فإنه لا يباح له ولا يؤذن أن يرد عليه مثله وينتصر منه. وقيل: نزلت الآية في أبي بكر - رضي الله عنه - شتمه رجل بمكة، فسكت عنه ما شاء الله، ثم انتصر؛ فقام النبي صلى الله عليه وسلم وتركه. وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالاَ: فَهُوَ عَلى البَادِئ حَتَّى يَعْتديَ المَظْلومُ " وقال: " ألا لا تَسْتَبُّوا، فَإِنَّ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ لاَ مَحَالَةَ، فَعَلِمَ الرَّجُلُ مِنْ صَاحِبِهِ - فَلْيَقُلْ: إِنَّكَ لَجَبَّارٌ، وَإِنَّكَ لَبَخِيلٌ ". وأصل هذا الاستثناء أن الأول - وإن لم يكن من نوع ما استثنى - فهو جزاؤه، وجزاء الشيء يسمى باسمه؛ كما سمى الله - عز وجل - [جزاء] السيئة: سيئة، بقوله:{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى: 40]، وسمي جزاء الاعتداء: اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء ولا سيئة؛ فعلى ذلك استثنى { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } ، وإن لم يكن من نوعه؛ لأنه جزاء الظلم والاعتداء، والله أعلم. وقيل: إن الآية نزلت في الضيف ينزل بالرجل فلا يضيفه، ولا يحسن إليه، فجعل له أن يأخذه بلسانه، وإلى هذا يذهب أكثر المتأولين، لكنه بعيد.