الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

قوله: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }.

يحتمل قوله - تعالى -: { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } ، أي: يخادعون أولياء الله أو دينه، فأضيف إليه؛ فهو جائز، وفي القرآن كثير؛ كقوله - تعالى -:إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد: 7]، أي: إن تنصروا دين الله أو أوليائه ينصركم، وقد ذكرنا هذا في صدر الكتاب.

وقوله - عز جل -: { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } ، أي: يجزيهم جزاء خداعهم المؤمنين؛ فسمي: خداعاً - وإن لم يكن في الحقيقة خداعاً؛ لأنه جزاء الخداع، وهو كما سمى جزاء السيئة: سيئة، وإن لم تكن الثانية - في الحقيقة - سيئة، وكذلك سمى جزاء الاعتداء: اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء؛ فعلى ذلك سمى هذا: خداعاً؛ لأنه جزاء الخداع، واللغة غير ممتنعة عن تسمية الشيء باسم سببه؛ على ما ذكرنا، والله أعلم.

ثم اختلف في جهة الخداع؛ عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: يعطي المنافقين على الصراط نوراً كما يعطي المؤمنين؛ فإذا مضوا به على الصراط طفِئ نورهم، ويبقى نور المؤمنين يمضون بنورهم؛ فينادون المؤمنين:ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [الحديد: 13] فتجوز به؛ فتناديهم الملائكة:ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } [الحديد: 13]، وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع؛ فذلك قوله: { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } وكذلك قال الحسن، ثم قال: فتلك خديعة الله إياهم.

وقال آخرون: يفتح لهم باب من أبواب الجنة؛ فإذا رأوا ذلك قصدوا ذلك الباب، فلما دنوا منه أغلق دونهم، فذلك الخداع، والله أعلم.

ويحتمل وجهاً آخر: وهو أنهم شاركوا المؤمنين في هذه الدنيا ومنافعها، والتمتع والتقلب فيها؛ فظنوا أنهم يشاركونهم في منافع الآخرة والتمتع بها؛ فيحرمون ذلك، فذلك الخديعة، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ... } الآية.

جعل الله - تعالى - للمنافق أعلاما في قوله وفعله يعلم بها المنافق.

أما في القول: ما قالوا:إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } [آل عمران: 173]، وقوله:وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } [النساء: 72]، وقوله - تعالى -:قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا... } الآية [الأحزاب: 18].

وأما في الفعل فهو قوله - تعالى -: { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، وقوله:وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } [الأحزاب: 18] أي القتال، وقوله - تعالى -:فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ... } الآية [الأحزاب: 19]، ومثله كثير في القرآن، مما جعل ذلك علامة لهم، وهو قوله - تعالى -:وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ... } الآية [المنافقون: 4]، وكقوله - تعالى -:وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ... }

السابقالتالي
2 3