الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

قوله - عز وجل -: { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ }.

قيل: فرائض الله التي أمركم بها من قسمة الميراث.

ويحتمل { حُدُودُ ٱللَّهِ }: ما حدّ لنا حتى لا يجوز مجاوزتها، وقد تقدم ذكرها في سورة البقرة. وذكر حدود الله، وقد يجوز أن يكون للخلق حدود، يقال: حدُّ فلان؛ فإذا لم يفهم من حدود الله ما فهم من حدّ الخلق كيف فهم من قوله:ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [الأعراف: 54]، وٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 29] ما فهم من استواء الخلق؟! فإذا لم يفهم من حدود الله ما فهم من حد الخلق - لم يجز أن يفهم من استواء الله ما يفهم من استواء الخلق، وكذلك لا يفهم من رؤية الرب ما يفهم من رؤية المخلوق، ولا يفهم من مجيئه مجيء الخلق، ولا من نزوله نزول الخلق، على ما لم يفهم من قوله - تعالى - { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } حدود الخلق؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول.

وقوله - عز وجل -: { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } يحتمل وجهين:

أحدهما: أوامره ونواهيه، وما حَرَّم وأحل.

ويحتمل: حدود شيء من ذلك؛ فيرجع تأويل الأول إلى أنفس العبادات، والثاني: إلى نهايات العبادات.

والمعروف من الحدود التي تنسب إلى الخلق وجهان:

أحدهما: نهاية المنسوب إليه، وذلك حق حد الأعيان.

والثاني: الأثر الذي يضاف إليه، وذلك حد الصفات أن يقال: حد الفعل فعل كذا، وحد البصر والسمع، يراد به الأثر الذي به يعرف، أو هنالك ما ذكر، ثم لم تكن الحدود التي أضيفت إلى الله - سبحانه وتعالى - على واحد من الوجهين اللذين يضافا إلى الخلق؛ إذ قد ثبت بضرورة العقل وحُجج السمع تعاليه عن المعاني التي هي معاني خلقه؛ فعلى ذلك ما أضيف إليه من طريق العقل من الاستواء، والمجيء، والرؤية - لم يجز في ذلك تصوير المعنى الذي في إضافة ذلك إلى الخلق يكون بما في ضرورة العقل والسمع جلاله وكبرياؤه عن ذلك المعنى، وبالله العصمة.

وقوله - عز وجل -: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }.

قيل: من يطع الله في أداء فرائضه [وسنة رسوله].

{ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ... } إلى آخر ما ذكر.

وقيل: ومن يطع الله فيما أمر ونهي، وأطاع رسوله في أمره ونهيه؛ فله ما ذكر.

وقيل: إذا أطاع الله فقد أطاع رسوله، وإذا أطاع رسوله فقد أطاع الله - تعالى - وهو واحد، كقوله: { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } وقوله: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ } - تعالى -: فيما أمر ونهي، وحَرَّم وأحل، { وَرَسُولَهُ }: فيما بلغ وبين.

وقيل: ذا ليس بتفريق، لكن من الذي يطيع الله هو الذي يطيع رسوله؛ لأنه إلى طاعة الله - تعالى - دعاه، وعلى عبادته رغب؛ فتكون طاعتُهُ طاعتَهُ، كقوله - تعالى -: { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } ، وكقوله - سبحانه -:إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي... } الآية [آل عمران: 31].

وقوله - تعالى -: { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }.

وهذا كذلك - أيضاً - إذا عصى الله؛ فقد تعدى حدوده، ومن تعدى حدوده فقد عصى الله.

ويحتمل قوله: { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }: فيما لم ير أمره أمراً ونهيه نهياً، { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } ، يعني: أحكامه وشرائعه، أي: لم يرها حقّاً -:

{ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا }.

وله ما ذكر.