قوله - عز وجل -: { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ } بكذا. البشارة المطلقة المرسلة لا تكون إلا بالخير خاصة، وأما إذا كانت مقيدة مفسرة فإنها تجوز في الشر؛ كقوله - تعالى -: { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ } كذا، وكذلك قوله - تعالى -:{ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [التوبة: 34]، وفي القرآن كثير، ما ذكرها في الشر إلا مفسرة مقيدة. وقوله - عز وجل -: { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ } - يدل هذا على أن الآية الأولى في أهل النفاق والمراءاة، على ما ذكرنا من التأويل؛ لأنه لم يسبق فيما تقدم ذكر لهم سوى قوله - تعالى -: { آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }. ويحتمل على الابتداء والائتناف على غير ذكر تقدم، وذلك جائز في القرآن كثير. ثم فسر المنافقين فقال: { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. ثم يحتمل قوله - تعالى -: { يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قولا وفعلا: أما القول: كقولهم:{ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } [البقرة: 14]، وغيره من الآيات. وأما الفعل: فكانوا يمنعون المؤمنين أن يغزوهم؛ كقوله - تعالى -:{ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ } [النساء: 72]، وكقوله:{ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } [آل عمران: 173]، وكقوله - تعالى -:{ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } [التوبة: 46] كانوا يمنعون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن أن يغزوهم ويقاتلوهم؛ فهم - وإن كانوا يُرُون من أنفسهم الموافقةَ للمؤمنين في الظاهر - فإنهم [كانوا] - في الحقيقة - معهم؛ فهذا - والله أعلم - تأويل قوله: { يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. وقوله - عز جل -: { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ }. قيل: قوله - تعالى -: { أَيَبْتَغُونَ } على طرح الألف وأنها زائدة، أي: يبتغون بذلك من عندهم العزة. ثم يحتمل قوله - تعالى -: { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ } وجهين. يحتمل: العزة: المنعة والنصرة، وكانوا يطلبون بذلك النصرة والقدرة عند الكافرين. ويحتمل: ليتعززوا بذلك. والأصل: أن حرف الاستفهام كله من الله - له حق الإيجاب، على ما يقتضي جوابه من حقيقة الاستفهام؛ إذ الله عالم لا يخفى عليه شيء يستفهم، جل عن ذلك. وقوله - عز وجل -: { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً }. أي: [والنصرة والقدرة] كله لله، من عنده يكون، وبه يتعزز في الدنيا والآخرة، ليس من عند أولئك الذين يطلبون منهم. وقوله - عز وجل -: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا }. قال بعضهم: قوله - تعالى -: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ } - هو ما ذكر في سورة الأنعام، وهو قوله - تعالى -:{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ }