قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }. يحتمل قوله - عز وجل -: { آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } - وجوهاً: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، فيما مضى من الوقت، آمِنوا في حادث الوقت. ويحتمل: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ } ، أي: اثبتوا عليه. ويحتمل: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بألسنتكم، { آمِنُواْ } بقلوبكم؛ كقوله - تعالى -:{ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [المائدة: 41]. ويحتمل: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } عند رؤية البأس والعذاب، { آمِنُواْ } في الحقيقة؛ كقوله - تعالى -:{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [غافر: 84]. ويحتمل وجهاً آخر: يأيها الذين [آمنوا ببعض الرسل، آمنوا] بالرسل كلهم كما آمن المؤمنون؛ كقوله - تعالى -:{ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } [البقرة: 136]، وهم كانوا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض؛ كقوله - عز جل -:{ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [النساء: 150]. ويحتمل: يأيها الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، آمنوا به إذا بعث؛ لأنهم كانوا يؤمنون به قبل أن يبعث، فلما بعث تركوا الإيمان به؛ كقوله - تعالى -:{ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [البقرة: 89]. { آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم. { وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ }. آي: آمنوا بالكتاب الذي نزل على رسوله، وهو محمد صلى الله عليه وسلم. { وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ }. آي: آمنوا - أيضاً - بالكتب السماوية التي أنزلها الله، تعالى. ثم الإيمان بالله حقيقة - إيمانٌ بجميع الرسل والكتب؛ لأن كل نبي كان يدعو إلى الإيمان بجميع ذلك، وكذلك في كل كتاب من الكتب السماوية دعاء إلى الإيمان بجملتهم؛ ألا ترى أن الكفر بواحد منهم - كفرٌ بالله وبجميع الرسل والكتب وما ذكر، وبالله العصمة. وقوله - عز وجل -: { وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ... } الآية. يحتمل هذا وجهين: يحتمل: ومن يكفر بجميع ما ذكر؛{ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } [النساء: 116]، وهو على التأكيد. ويحتمل: ومن يكفر بالله أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر؛ فقد كان ما ذكر؛ لأن الكفر بواحد من ذلك كفْرٌ بالكل، حتى لو أنكر آية من آيات الله - تعالى - كفر بالله، وبالكتب وبالرسل كلها، والله الموفق.