الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }.

يحتمل قوله - عز وجل -: { آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } - وجوهاً:

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، فيما مضى من الوقت، آمِنوا في حادث الوقت.

ويحتمل: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ } ، أي: اثبتوا عليه.

ويحتمل: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بألسنتكم، { آمِنُواْ } بقلوبكم؛ كقوله - تعالى -:آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [المائدة: 41].

ويحتمل: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } عند رؤية البأس والعذاب، { آمِنُواْ } في الحقيقة؛ كقوله - تعالى -:فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [غافر: 84].

ويحتمل وجهاً آخر: يأيها الذين [آمنوا ببعض الرسل، آمنوا] بالرسل كلهم كما آمن المؤمنون؛ كقوله - تعالى -:لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } [البقرة: 136]، وهم كانوا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض؛ كقوله - عز جل -:نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [النساء: 150].

ويحتمل: يأيها الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، آمنوا به إذا بعث؛ لأنهم كانوا يؤمنون به قبل أن يبعث، فلما بعث تركوا الإيمان به؛ كقوله - تعالى -:وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [البقرة: 89].

{ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم.

{ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ }.

آي: آمنوا بالكتاب الذي نزل على رسوله، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.

{ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ }.

آي: آمنوا - أيضاً - بالكتب السماوية التي أنزلها الله، تعالى.

ثم الإيمان بالله حقيقة - إيمانٌ بجميع الرسل والكتب؛ لأن كل نبي كان يدعو إلى الإيمان بجميع ذلك، وكذلك في كل كتاب من الكتب السماوية دعاء إلى الإيمان بجملتهم؛ ألا ترى أن الكفر بواحد منهم - كفرٌ بالله وبجميع الرسل والكتب وما ذكر، وبالله العصمة.

وقوله - عز وجل -: { وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ... } الآية.

يحتمل هذا وجهين:

يحتمل: ومن يكفر بجميع ما ذكر؛فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } [النساء: 116]، وهو على التأكيد.

ويحتمل: ومن يكفر بالله أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر؛ فقد كان ما ذكر؛ لأن الكفر بواحد من ذلك كفْرٌ بالكل، حتى لو أنكر آية من آيات الله - تعالى - كفر بالله، وبالكتب وبالرسل كلها، والله الموفق.