قوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ... } الآية. عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كونوا قوامين بالعدل في الشهادة على من كانت: من قريب أو بعيد، ولو على نفسه فأقر بها، وكذلك قال عامة أهل التأويل قوله: { قَوَّٰمِينَ }: قوالين لله، ولكن يكون في كل عمل وكل قول يلزم أن يقوم لله، ويجعل الشهادة له؛ فإذا فعل هكذا - لا يمنعه عن القيام بها قربُ أحد ولا بعده، ولا ما يحصل على نفسه أو والديه، وكذلك قال الله - تعالى - في آية أخرى:{ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [الطلاق: 2]؛ فإذا جعلها لله - عز وجل - لم يجعلها [للمخلوق، أمكن] له القيام بها، وإن كان على نفسه أو من ذكرتم ما يمنع القيام بها [فهو] مختلف: أما على نفسه؛ لنفع يطمع أو لدفع ضرر يدفع بذلك، وأما على الوالدين بالاحتشام يحتشم منهما؛ فيمتنع عن أداء ما عليه، وأما القرابة: بطلب الغناء لهم ودفع الفقر عنهم؛ فأخبر أنه أولى بهم؛ فلا يمنعك غناء أحد منهم ولا فقره - القيامَ بها، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - تأويل هذه الآية. وقوله - عز وجل -: { فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ }. قيل فيه بوجهين: قيل: { فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ } وتعملوا لغير الله. وقيل: { فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ }؛ كراهة أن تعدلوا. ويحتمل: { فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ }: عن الحق من الصرف بالعدول. وقوله - عز وجل -: { وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ }. فيه لغتان: " تلوا " بواو واحدة، من الولاية؛ يقول: كونوا عاملين لله، وقائلين له، مؤدين الشهادة له، وإن كنتم وليتم ذلك. وقيل: " تلووا " بواوين، من التحريف؛ يقول: لا تتبعوا الهوى، ولا تحرفوا الشهادة، ولا تعرضوا عنها وتكتموها. وفي حرف حفصة - رضي الله عنها -: " إن يكونوا غنيا أو فقيراً فالله أولى بهما ". وعن قتادة - رضي الله عنه -: فالله أولى بهما، يقول: الله أولى بغنيكم وفقيركم؛ فلا يمنعكم غناء غنى أن تشهد عليه لحق علمته، ولا أمر ثبت لفقير أن تشهد عليه بحق علمته. وفي حرف حفصة - رضي الله عنها -: { وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ } ، وهو من الولاية التي ذكرنا. وقيل: وإن تلووا: من التحريف وطلب الإبطال. وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: " فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا بين الناس " ، وهو من العدل؛ على ما ذكرنا. وقال بعضهم: هو من الصرف والعدول عن الحق. وقوله - عز جل -: { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }.