قوله - عز وجل -: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ... } الآية. ذكر الاستفتاء في النساء، وليس فيه بيان عما وقع به السؤال؛ إذ قد يجوز أن يكون في الجواب بيان المراد في السؤال، وإن لم يكن في السؤال بيان؛ نحو قوله - تعالى -:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222]؛ دل الأمر باعتزال النساء في المحيض - على أن السؤال عن المحيض إنما كان عن الاعتزال، وإن لم يكن في السؤال بيان المراد؛ وكذلك قوله - تعالى -:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ... } الآية [البقرة: 220]؛ دل قوله: { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ } على أن السؤال إنما كان عن مخالطة اليتامى؛ وكقوله:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } [البقرة: 219]،؛ دل قوله { فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } على أن السؤال عن الخمر والميسر - ما ذكر في الجواب من الإثم، وإن لم يكن في السؤال بيان ذلك. ثم قوله - تعالى -: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } ليس في السؤال ولا في الجواب بيان ما وقع به السؤال؛ فيحتمل أن يكون السؤال في أمورهن جميعاً: في الميراث وغير ذلك من الحقوق، ثم ذكر واحداً فواحداً؛ كقوله - تعالى -:{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ } [النساء: 7]، كقوله:{ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } الآية [النساء: 32]، هذا في الميراث. وأما في الحقوق فقال الله - عز وجل -:{ وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [البقرة: 228]. ويحتمل غيرها من الحقوق سوى حقوق النكاح، فترك البيان في الجواب؛ لما ذكر واحداً فواحداً في غيرها من الآي؛ إذ الجواب خرج مخرج العدة أنه يفعل بقوله - عز وجل -: { يُفْتِيكُمْ } ، وقد فعل هذا، والله أعلم. ويحتمل غير هذا: وهو أن يترك البيان في السؤال والجواب؛ لنوازل يعرفها أهلها، لم يحتج إلى بيان ما وقع به السؤال؛ لمعرفة أهلها [به]. ويحتمل ما قاله أهل التأويل: وهو أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد؛ وإنما كانوا يورثون المقاتلة من الرجال والذين يجرزون الغنائم، فلما بين الله - عز وجل - للنساء وللصغار نصيباً في الأموال، وفرض لهم حقّاً، سألوا [عند ذلك] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ فأنزل الله - تعالى -: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } ، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - وذكر القصة هكذا، والله أعلم. ويحتمل: أن يكون السؤال وقع عن يتامى النساء؛ ألا ترى أنه قال - عز جل -: { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } الآية.