الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } * { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً }

قوله - عز وجل -: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ }.

أخبر - عز وجل - أن الأمر ليس بالأماني؛ ولكن إلى الله - عز وجل - فهو - والله أعلم - يحتمل أن يكون في المنزلة والقدر عند الله؛ لأنهم قالوا:نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [آل عمران: 18]، وقالوا:قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [آل عمران: 24]، وغير ذلك من الأماني.

وأهل التأويل يذهبون إلى غير هذا، وقالوا: إن كل فريق منهم كانوا يقولون: إن ديننا خير من دينكم، ونحن أفضل من هؤلاء؛ فنزل: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ }. وذلك بعيد.

وقوله - عز وجل -: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ }.

اختلف فيه؛ قال بعضهم: قوله - تعالى -: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ، يعني: ركا يجز به؛ يدل على ذلك قوله - عز وجل -: { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } ، وذلك وصف الكافر ألا يكون له ولي يتولى حفظه، ولا نصير ينصره؛ ألا ترى أنه قال: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ }؛ ذكر الذين يعملون الصالحات - وهم مؤمنون - أن يدخلوا الجنة؛ فهذا - أيضاً - يدل أن قوله - عز وجل -: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } أراد به الشرك.

وقال آخرون: قوله - عز وجل -: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ، أي: كل سوء يدخل فيه المسلم والكافر؛ ألا ترى أنه رُوي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - " لما نزلت هذه الآية، قال: يا رسول الله، كيف الفلاح بعد هذا وكل شيء عملناه جزينا به؟! قال: " غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ يُصَيبُكَ الأَذَى؟ فَهَذَا مَا تُجْزَوْنَ بِهِ، يُجْزَى بِهِ المُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا، وَالَكافِرُ فِي الآخِرَةِ " " ، فإن كان التأويل هذا؛ فقوله: { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }: هو في الكافر؛ أي: لا يجد له وليّاً ولا نصيرا إذا لم يرجع عن كفره ومات عليه، وأما إذا رجع عن ذلك، وتاب، ومات على الإيمان؛ فإنه يجد له وليا ونصيرا: ينصره الله - تعالى - وبالله التوفيق.

وقوله - عز وجل -: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ }.

في الآية دليل أن الأعمال الصالحات غير الإيمان؛ لأنه قال - تعالى -: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ... وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، ولو كان إيماناً؛ فيصير كأنه قال: ومن يعمل الإيمان وهو مؤمن؛ فدل - بما ذكرنا - أنها غير الإيمان، وفيه دلالة - أيضاً - أن الأعمال الصالحة إنما تنفع إذا كان ثمة إيمان؛ لأنه شرط فيه الإيمان بقوله - تعالى -: { وَهُوَ مُؤْمِنٌ }؛ دل أن الأعمال الصالحة لا تنفع إذا لم يكن ثمة إيمان، ولا قوة إلا بالله.

السابقالتالي
2 3 4 5