الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }

قوله - عز وجل -: { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ }.

هما سواء، أي: من عمل سوءاً فقد ظلم نفسه، ومن ظلم نفسه فقد عمل سوءاً.

ويحتمل ما قال ابن عباس - رضي الله عنه -: من يعمل سوءاً إلى الناس، أو يظلم نفسه فيما بينه وبين الله.

ثم روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال: أرجى آية في القرآن هذه قوله: { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ... } الآية.

وروي عنه - أيضاً - قال: أربع آيات من كتاب الله - تعالى - أحب إلي من حمر النعم وسُودِها -: قوله:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا } [النساء: 40] إلى آخره، وقوله:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء: 48]، وقوله - تعالى -:وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ... } [النساء: 64] الآية، وقوله - تعالى -: { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ... } الآية.

وعن علقمة والأسود قالا: قال عبد الله: إن في كتاب الله لآيتين، ما أصاب عبد ذنباً فقرأهما، ثم استغفر الله إلا غفر له:وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ... } إلى آخر الآية [آل عمران: 135]، وقوله: { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } ، وقوله - تعالى - أيضاً -: { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً } يحتمل كل واحد منهما أنه الآخر؛ كرر على التأكيد فيما جرى له الذكر.

ويحتمل التفريق: أن يكون سوءاً إلى الناس وخطيئة إليهم، أو يظلم نفسه: بما يأثم بما بينه وبين الله.

وقوله - عز وجل -: { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ }؛ لأن حاصله يرجع إليه؛ فكأنه كسب على نفسه.

وقوله: { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً }.

يحتمل: أن يكون قوله: { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً } واحداً: الخطيئة هي الإثم، والإثم هو الخطيئة.

وقيل: { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً } سرقته الدرع { أَوْ إِثْماً }: يقول بيمينه الكاذبة: أنه لم يسرقها، وإنما سرقها فلان اليهودي.

وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً }.

قيل: لما طلب في داره رماها في دار اليهودي، ثم حلف باطلا وزوراً: أنه لم يسرقها.

وقوله - عز وجل -: { فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }.

يقول: كذبا على آخر بما لم يفعل.

والبهتان: هو أن يبهت الرجل الرجل كذباً بما لم يفعل، { وَإِثْماً مُّبِيناً }: بيمينه الكاذبة، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ }.

قال أكثر أهل التأويل: نزلت [هذه] الآية في شأن طعمة الذي سرق درع جار له بالذي سبق ذكره، وقالوا: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } لقد هم قوم طعمة { أَن يُضِلُّوكَ } ، أي: يخطئوك، وليس هو الإضلال في الدين، ولكن إن كان كما قالوا فهو تخطئه الحكم.

السابقالتالي
2