قوله - عز وجل -: { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ }. هما سواء، أي: من عمل سوءاً فقد ظلم نفسه، ومن ظلم نفسه فقد عمل سوءاً. ويحتمل ما قال ابن عباس - رضي الله عنه -: من يعمل سوءاً إلى الناس، أو يظلم نفسه فيما بينه وبين الله. ثم روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال: أرجى آية في القرآن هذه قوله: { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ... } الآية. وروي عنه - أيضاً - قال: أربع آيات من كتاب الله - تعالى - أحب إلي من حمر النعم وسُودِها -: قوله:{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا } [النساء: 40] إلى آخره، وقوله:{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء: 48]، وقوله - تعالى -:{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ... } [النساء: 64] الآية، وقوله - تعالى -: { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ... } الآية. وعن علقمة والأسود قالا: قال عبد الله: إن في كتاب الله لآيتين، ما أصاب عبد ذنباً فقرأهما، ثم استغفر الله إلا غفر له:{ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ... } إلى آخر الآية [آل عمران: 135]، وقوله: { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } ، وقوله - تعالى - أيضاً -: { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً } يحتمل كل واحد منهما أنه الآخر؛ كرر على التأكيد فيما جرى له الذكر. ويحتمل التفريق: أن يكون سوءاً إلى الناس وخطيئة إليهم، أو يظلم نفسه: بما يأثم بما بينه وبين الله. وقوله - عز وجل -: { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ }؛ لأن حاصله يرجع إليه؛ فكأنه كسب على نفسه. وقوله: { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً }. يحتمل: أن يكون قوله: { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً } واحداً: الخطيئة هي الإثم، والإثم هو الخطيئة. وقيل: { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً } سرقته الدرع { أَوْ إِثْماً }: يقول بيمينه الكاذبة: أنه لم يسرقها، وإنما سرقها فلان اليهودي. وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً }. قيل: لما طلب في داره رماها في دار اليهودي، ثم حلف باطلا وزوراً: أنه لم يسرقها. وقوله - عز وجل -: { فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }. يقول: كذبا على آخر بما لم يفعل. والبهتان: هو أن يبهت الرجل الرجل كذباً بما لم يفعل، { وَإِثْماً مُّبِيناً }: بيمينه الكاذبة، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ }. قال أكثر أهل التأويل: نزلت [هذه] الآية في شأن طعمة الذي سرق درع جار له بالذي سبق ذكره، وقالوا: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } لقد هم قوم طعمة { أَن يُضِلُّوكَ } ، أي: يخطئوك، وليس هو الإضلال في الدين، ولكن إن كان كما قالوا فهو تخطئه الحكم.