الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

وقوله - عز وجل -: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ }.

قيل: قوله: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } أي: يفرضكم الله، وقد سمى الله - تعالى - الميراث فريضة في غير آي من القرآن بقوله: { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ } ثم قال:نَصِيباً مَّفْرُوضاً... } [النساء: 7]، وقال - أيضاً - في آخر هذه الآية { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } ، ولأنه شيء تولى الله إيجابه من غير اكتساب أهله؛ فهو كالفرائض التي أوجبها الله على عباده من غير اكتساب أهلها؛ فعلى ذلك سمى هذه فريضة؛ لأن الله تعالى - أوجبه، والله أعلم.

وقيل: قوله: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } ، أي: يبين الله في أولادكم... إلى آخر ما ذكر.

وفيه نسخ الوصية للوالدين والأقربين في قوله:كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } [البقرة: 180]، ودليل نسخه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ فَلاَ وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ ".

ثم قيل: إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد والإناث [في الميراث]؛ وإنما كانوا يورثون الرجال ومن يحوز الغنيمة؛ فنزل قوله:لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ... } الآية [النساء: 7]؛ فالآية في بيان الحق للإناث في الميراث، وكذلك قوله: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } فيه بيان حق الميراث للذكور والإناث جميعاً.

وقيل: تأويل هذه الآية ما بين في القرآن في ذوي الأرحام، وإن كانوا مختلفين في سبب ذلك، وإن الآيات التي بعدها من قوله: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } إلى آخر الآيات التي فيها ذكر المواريث - فُسر بها مبلغ النصيب الذي أوجبه الله للنساء والرجال في الآية الأولى مجملاً، وأجمعوا أن الرجل إذا مات وترك ولداً ذكوراً وإناثاً؛ فالمال بينهم { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ }.

ويحتمل قوله: { فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } - أولاد موتاكم، وهذا جائز في اللغة؛ لأنه لا يجوز أن يفرض على الرجل قسمة الميراث في أولاده وهو حي؛ دلَّ أنه أراد أولاد الموتى.

أو يحتمل ما ذكرنا أنهم كانوا لا يورثون الإناث من الأولاد والصغار منهم؛ فخاطب الجملة بذلك؛ لئلا يحرموا الإناث من الأولاد والصغار منهم.

وفي قوله: أيضاً -: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } ، أي: في أولاد من مات منكم؛ إذ لا يحتمل خطاب الحي ما ذكر في ولده؛ فهذا إن كان تأويل " يوصي ": يفرض أو يأمر.

وإن كان تأويل ذلك: يُبَيِّن، فذلك جائز أن يخبر الحي ما بيَّن الله في أولاده بعد موته في ماله، وذلك يمنع الوصية؛ لأنه يزيل حق البيان، ولما يمكن رفع القسمة وتحصيل الوصية على بعض لبعض، وذلك بعيد؛ إذ لا يملك في غيرهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد