الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } * { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً }

قوله - عز وجل -: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ }.

في الآية دلالة فرضية الجهاد؛ لأنه - عز وجل - أخبر أنهم يألمون ويتوجعون بما يصيبهم من الجراحات كما تألمون أنتم وتتوجعون بها؛ فلو كان نفلا لكان يرفع عنهم الجهاد عند الألم والتوجع؛ على ما يرفع سائر النوافل عند الألم والتوجع؛ فدل أنه فرض، لكنه فرض كفاية، وفرض الكفاية يسقط بقيام البعض عن الباقين. وقد ذكرنا فيما تقدم الوجه فيه.

وقوله - تعالى -: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } ، فمعناه - والله أعلم - أي: لا عذر لكم في تألمكم أن تهنوا في ابتغائهم؛ { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } ولا [يضعفون في ذلك]، { وَتَرْجُونَ } أنتم العاقبة من الثواب الجزيل { مَا لاَ يَرْجُونَ } ، ثم هم لا يضعفون؛ فكيف تضعفون أنتم في ذلك؟! وكل أمر لا عاقبة له فهو عبث، وليس لأمرهم عاقبة؛ فهو عبث، ولأمركم عاقبة محمودة؛ فأنتم أولى في ذلك.

ودل قوله: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } - على تأكد فرضية الجهاد؛ إذ لم يأذن لهم في التخلف عن ذلك، على ما فيه من التألم، وخوف هلاك النفس في ذلك، ثم بين ما يخفف لمثله بحمل المكروه على الطبع له، وقد يختار له مباشرة الأتعاب في النفس من عواقب تنقطع وتزول؛ فكيف فيما [لا انقطاع] له من رجاء الثواب بذلك التألم؟! والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً }.

بتألمكم، أي: عن علم بالتألم أمركم بذلك، لا عن جهل. وقد ذكرنا ذلك في غير موضع.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ }.

قوله: { بِٱلْحَقِّ } يتوجه وجوهاً.

بحق الله عليكم، أنزل إليك الكتاب.

ويحتمل: بحق بعض على بعض أنزل إليك الكتاب؛ لتحكم بين الناس.

ويحتمل قوله: { بِٱلْحَقِّ } ، أي: بالمحنة يمتحنهم بها؛ إذ في عقل كل أحد ذلك، وإهمال كل ذي لبٍّ لا يؤمر ولا ينهي - خروج عن الحكمة.

أو أن يقال: { بِٱلْحَقِّ } ، أي: بالعواقب؛ لتكون لهم العاقبة.

وقوله - تعالى -: { بِٱلْحَقِّ } أي: بالحق الذي لله، أو لبعض على بعض، أو لأمر كانت، وهو البعث؛ لِيُعَدَّ له، ويتزودوا بالذي يحمد عليه فاعله؛ إذ الحق صفة لكل ما يحمد عليه فاعله، والباطل لما يذم.

وقد يحتمل بالعدل والصدق على الأمر من التغيير والتبديل، والله الموفق.

وقوله - عز وجل -: { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ }.

قيل: إن في الآية دلالة جواز الاجتهاد؛ لأنه قال: { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ }؛ دل قوله { بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } أن ثمة معنى يدرك بالنظر والتأمل؛ لأنه لو كان يحكم بالكل بالكتاب، لكان لا معنى لقوله: { بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ }.

السابقالتالي
2