الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً }

قوله - عز وجل -: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ... } الآية.

اختلف أهل العلم في صلاة الخوف:

قال بعض أهل العلم: يجعل الإمام القوم طائفتين، يصلي بالطائفة [الأولى] ركعة، ويصف الطائفة الأخرى مصاف العدو، فإذا صلى بهم ركعة؛ فيقومون ويصلون الركعة الثانية وحداناً.

ثم ينصرفون ويقومون مقامهم بإزاء العدو، وترجع الطائفة التي كانت مصاف العدو فيصلي بهم الإمام الركعة الثانية، ثم يسلم بهم الإمام، فيقومون ويقضون الركعة الأولى وحداناً. ويقولون: لأنه ليس في الآية إتيان الطائفة الأولى وعودها إلى الإمام؛ لذلك لا يفعل.

وقالوا - أيضاً - بأن القيام بعد الفراغ من الصلاة مصاف العدو أطمع وأرجى من القيام قبل الفراغ منها.

[و] قيل: بل القيام مصاف العدو، وهم في الصلاة أطمع وأرجى من القيام في غير الصلاة.

وأما أصحابنا - رحمهم الله - فإنهم ذهبوا إلى ما روي في الأخبار.

روي عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخوف: فصلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهو العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم، مقبلين على العدو، وجاء أولئك، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قضى هؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة.

وعن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فقاموا صفين: فقام صف خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصفٌّ مستقبلٌ العدوَّ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يلونه ركعة، ثم قاموا فذهبوا وقاموا مقام أولئك، واستقبل هؤلاء العدو، وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم، فقاموا يصلون لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، فذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلين العدو، وجاء أولئك إلى مقامهم، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا.

وروى ابن عباس وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم - عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك، فاتفق على هذه الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الجماعة من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وحذيفة؛ كلهم يقولون: إن [رسول الله صلى الله عليه وسلم] صلى بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهو العدو، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعة، وإن واحداً منهم لم يقض بقية صلاته حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته كلها، فصلى المؤتمون ما بقي عليهم من صلاتهم؛ وهذا نظراً لما عليه المسلمون جميعاً فيما سبقهم الإمام: لا يقضونه حتى يفرغ الإمام من صلاته، ثم يقضون ما فاتهم، والأخبار التي جاءت بخلاف ذلك يحتمل أن تكون في الوقت الذي كانوا يقضون الفائتة قبل فراغ الإمام من صلاته، ثم نسخ ذلك بما توارث الأمة القضاء بعد الفراغ، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6