الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

قوله - عز وجل -: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ... } الآية.

أباح الله - تعالى - القصر من الصلاة؛ إذا ضرب في الأرض إذا خاف أن يفتنه الكفار، ولم يبين القصر في ماذا؟ فيحتمل: القصر قصراً من الركعات؛ على ما قال أصحابنا - رحمهم الله تعالى - ويحتمل: القصر من الركوع والسجود والقيام بالإيماء؛ كقوله:فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } [البقرة: 239] رخص للخائف الصلاة بالإيماء.

ويحتمل: القصر قصر الاقتداء، وذلك - أيضاً - مباح عند الخوف.

ثم تأول قوم أن الصلاة كانت ركعتين، فزيدت في صلاة الحضر، وأقرت في صلاة السفر، ورخص في القصر من ركعتي السفر في حال الخوف، وقالوا: صلاة الخوف ركعة.

وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: فرض الله - تعالى - صلاة الحضر أربعاً، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة، على لسان نبيكم.

وكذلك روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: صلاة الخوف ركعة، ركعة.

وقال آخرون: إنما رخص الله - تعالى - في قصر الصلاة من أربع إذا كان الخوف، فردها إلى ركعتين رخصة.

وقالوا ثَمَّ: إن رسول الله أعلمنا أن الله - تعالى - تصدق علينا أن نقصر في حال الأمن؛ فثبت بالسنة أن القصر في غير الخوف جائز؛ كما أجازه الله في حال الخوف.

والقصر - في قول هؤلاء - أن تُرَدَّ الأربع إلى ركعتين، والقصر في قول الأولين أن يرد الركعتان في حال الخوف إلى ركعة.

وقال غيرهم: القصر إنما كان في حال الخوف كما قال الله تعالى. فأما الآن: فإن المسافر إذا صلى ركعتين، فليس ذلك بقصر؛ ولكنه إتمام بقول عمر - رضي الله عنه - حيث قال: صلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم.

وروي أن رجلا سأل عمر - رضي الله عنه - عن قوله - تعالى -: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ، قال: وقد أمن الناس اليوم؟!. فقال عمر - رضي الله عنه -: عجبتُ مما عجبتَ منه؛ فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صَدَقة [تَصَدَّقَ اللهُ تَعَالَى بِهَا] عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ " ؛ فيحتمل أن يكون قوله: " صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر " - يريد به أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: " صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيكُمْ " ؛ [صار الفرض] ركعتين وارتفع القصر، وصارت الركعتان تماماً غير قصر؛ إذ كانتا هما الفرض بعد الصدقة التي تصدق الله بها علينا؛ فكل واحد من الخبرين موافق لصاحبه؛ أعني خبر عمر - رضي الله عنه - مع ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان [رسول الله صلى الله عليه وسلم] يسافر من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله، يصلي ركعتين.

السابقالتالي
2 3 4