الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله: { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا }.

لا يحتمل أن يكون أراد: كل إنسان يكون على ما وصف وذكر، ولكنه إنسان دون إنسان، ولا يجب أن يشار إلى واحد أنه فلان، وكذلك ما ذكر من مس الضر به لا يشار إلى ضر دون ضر؛ ولكن ما أعلم الله - عز وجل - رسوله صلى الله عليه وسلم أنه ماذا؟ لأن ذلك يخرج مخرج الشهادة على الله - عز وجل - والامتناع عن الإشارة إليه، والتسمية له أسلم.

ثم كانت عادة أولئك الكفرة - لعنهم الله - عند نزول البلاء بهم والشدة الفزع إلى الله - عز وجل - وإخلاص الدعاء له؛ فبعد الكشف عنهم ذلك يقع العود إلى ما كانوا من قبل، على ما ذكرهم في آي من القرآن.

ثم قوله - عز وجل -: { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا } ، أي: أعطيناه نعمة، أو ملكناه نعمة.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ }.

أي: على حيلة مني أعطيت ذلك.

وقال بعضهم: إنما أوتيته على شرف ومنزلة، علمه الله مني.

وقال قتادة: على خير علمه الله عندي.

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: { إنما آتانيه الله على علم }.

وقال بعضهم: ما ذكرنا قال: إنما أوتيته على علم وشرف أعطيت ذلك.

قال الله - عز وجل - ردّاً لقوله: { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ }.

والفتنة هي المحنة التي فيها شدة، أي: بل هي محنة فيها شدة وبلاء، والمحنة من الله بأمر وبنهي، أي: فيها أمر ونهي.

{ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }.

أنه لم يعط لفضل وشرف له أو حيلة منه؛ ولكنه لأمر ونهي، والله أعلم.

وقوله: { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، عين ما قال هذا الرجل؛ حيث قال: { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ }؛ كان من قارون حين قال:إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [القصص: 78]، ولم يزل العادة من الكفرة والرؤساء منهم وأهل الثروة قائلين بمثل هذا الكلام والقول، وهو ما أخبر عن قوم فرعون - حين قالوا:فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [الأعراف: 131]، وما قال أهل مكة:نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ: 35]، وغير ذلك من أمثال هذا، لم يزالوا قائلين هذا.

ثم أخبر أن ذلك لم يغنهم حيث قال: { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }.

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: ما قالوا: إنما أوتينا هذا بحيل من عندنا واكتساب، أخبر أن ذلك لم يغنهم عن دفع عذاب الله - عز وجل - عنهم إذا نزل بهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ }.

السابقالتالي
2