الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } * { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } * { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } * { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قوله - عز وجل -: { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ }.

يقول - والله أعلم -: إن الكتاب الذي يتلوه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ويدعوكم إليه هو تنزيل من عند الله؛ كقوله:نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ... } الآية [الشعراء: 193-194].

وقوله - عز وجل -: { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } على أثر قوله: { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ } يخرج - والله أعلم - أنه يدعوكم محمد صلى الله عليه وسلم إلى اتباع الكتاب والطاعة، ليس لذل به يطلب بكم العز أو الضعف في التدبير فيطلب بكم الاستعانة فيه؛ لأنه عزيز بذاته حكيم لا يلحقه الخطأ أو الضعف في التدبير، ولكن إنما أمركم بما أمر ونهاكم عما نهى لتكتسبوا لأنفسكم ولتنتفعوا به، فأمّا الله - سبحانه - عزيز بذاته غني حكيم بنفسه.

وقال بعضهم: العزيز هو الذي لا يعجزه شيء، والحكيم هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير.

وقال بعضهم: هو العزيز؛ لأن كل عزيز دونه إنما يصير ذليلا عنده [و]عز من دونه عند عزه ذلا، والحكيم هو المصيب في فعله وتدبيره، وقيل: هو الذي وضع كل شيء موضعه.

وقال بعض أهل التأويل: العزيز هو المنيع، وتأويل المنيع: الممتنع عن جميع مكائد الخلق وجميع حيلهم بالضرر له، وقد ذكرنا هذا في غير موضع، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ }.

يحتمل قوله - عز وجل -: { بِٱلْحَقِّ } أي: بالحق الذي لله عليكم، وبالحق الذي لبعضكم على بعض، أو كما [قال] أهل التأويل { بِٱلْحَقِّ } ، أي: للحق، أي: أنزلناه للحق، لم ننزله عبثاً باطلا لغير شيء، ولكن أنزلناه للحق لحقوق ولأحكام ومحن وأمور، والله أعلم.

وقوله: { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ }.

جائز أن يكون ما ذكر من إنزاله الكتاب بالحق ذلك هو ما أمره من العبادة له، أمره بوفاء ذلك الحق له.

ثم يحتمل قوله: { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } وجهين:

أحدهما: أصل في الاعتقاد، أي: اعتقد جعل كل عبادة وطاعة لله خالصاً لا تعتقد لأحد شركاً.

والثاني: في المعاملة: أن كل [عمل] عبادة وطاعة اجعله لله خالصاً لا تجعل لغيره فيه شركاء. والله أعلم.

وأما أهل التأويل قالوا: { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ }: وحد الله { مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } ، وتأويل هذا أن اجعل الوحدانية والألوهية لله في كل شيء.

وقوله - عز وجل -: { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ }.

أي: ولله شهادة الوحدانية والألوهية في كل شيء.

ويحتمل أيضاً قوله - عز وجل -: { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } ، أي: دين الله هو الدين الخالص؛ لأنه دين قام بالحجج والبراهين، وأما غيره من الأديان فهو دين بهوى النفس وأمانيها لا بالحجج والآيات، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10