الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } * { قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ عَالِمَ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوۤءِ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

قوله: { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ }.

على ما ذكرنا فيما تقدم في غير موضع: أن حرف الاستفهام والشك إذا أضيف إلى الله - عز وجل - فهو على الإيجاب والإلزام، ثم قال بعض أهل التأويل: إن قوله - عز وجل -: { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ } هم الملائكة الذين عبدوها لكنه بعيد؛ لأنه قال - عز وجل - بعد ذلك: { قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } ، والملائكة أهل العقل والعلم، وإنهم يملكون ذلك إذا جعل لهم وملكوا، لكن الآية في الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله؛ على رجاء أن تشفع لهم وتقربهم عبادتهم إياها إلى الله زلفى؛ لقولهمهَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس: 18]، وقولهم:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3]؛ فهو أشبه بالأصنام التي كانوا يعبدونها من الملائكة، والله أعلم.

ثم قوله: { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ } يخرج على وجهين:

أحدهما: بل اتخذوا بعبادة من عبدوه من دون الله شفعاء لأنفسهم، ولا يكونون شفعاء لهم، ولا يملكون ذلك ولا يفعلون.

والثاني: بل اتخذوا لأنفسهم من دون الله شفعاء، ولا يملك أحد جعل الشفاعة لأحد دون الله، إلا من جعل الله له الشفاعة، ولا يجعل الله لأحد الشفاعة إلا من كان له عند الله عهد، أو من ارتضى له الشفاعة؛ كقوله - عز وجل -:لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [مريم: 87]، وقوله:وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [الأنبياء: 28]، يدل على هذا قوله؛ حيث قال: { أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ }.

[وقوله:] { قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً }.

هو ما ذكرنا: هو المالك الشفاعة جميعاً، لا يملك أحد سواه إلا من جعل الله له الشفاعة وارتضى له، فأمّا أن يملك أحد سواه اتخاذ الشفاعة لنفسه، أو جعل الشفاعة لنفسه فلا، والله الموفق.

وقوله: { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.

في البعث، أو يرجعون إلى ما أعد الله لهم، والله أعلم.

وقوله: { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }.

قال بعض أهل التأويل: إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم توحيد الله في القرآن { ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } أي: نفرت؛ كقوله - عز وجل - في بني إسرائيل:وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً } [الإسراء: 46]، وإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الذين عبدوا من دونه الآلهة؛ كقوله في سورة النجم؛ حيث قال:أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [النجم: 19-20]، وألقى الشيطان في فمه: " تلك الغرانيق العلا، منها الشفاعة لترتجى "؛ ففرح الكفار حين سمعوا أن لها شفاعة: إلى هذا يذهب مقاتل وغيره، لكنه ليس كذا، وغير هذا كأنه أولى به وأقرب، وهو أن قوله - عز وجل -: { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ } ، أي: إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم توحيد الله وألوهيته، أو ذكر هذا أهل التوحيد وهذا الألوهية ممن عبدوا دونه { ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، أي: نفرت وأنكرت؛ كقولهم:

السابقالتالي
2 3