الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } * { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } * { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ } * { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

قوله - عز وجل -: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } و { عِبَادِهِ } أيضاً.

الآية يحتج بها على إثبات الرسالة، وكذلك قوله:فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [التوبة: 129]، وكذلك قوله:إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } [آل عمران: 160]، ونحو ذلك، وأمثاله كثير؛ لأنه بعثه وحده، لا عون معه، ولا نصر له من البشر رسولا إلى الأعداء، وكان يقرع أسماعهم بهذه الآيات التي ذكرنا، وغير ذلك من قوله:ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [الأعراف: 195] ثم لم يقدروا على إهلاكه؛ بل عصمه من كيدهم ومكرهم؛ على ما قال:وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67] فبلغ إليهم ما أمر بتبليغه من غير أن قدروا على ما قصدوا به، وفي ذلك لطف من الله عظيم، ودلالة على إثبات الرسالة.

ثم قوله - عز وجل -: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } وإن خرج مخرج الاستفهام في الظاهر فهو - في الحقيقة - على الإيجاب والتقرير؛ لأنهم كانوا يعلمون أن الله - عز وجل - هو الكافي لخلقه، من ذلك أنهم إذا سئلوا: من خلق السماوات والأرض؟ قالوا: الله - تعالى - وإذا سئلوا من يرزقكم؟ قالوا: الله - تعالى - ومن أنزل من السماء ماء؟ ومن أخرج من الأرض النبات؟ ونحو ذلك - قالوا: الله، فعلى ذلك قوله: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي: تعلمون أن الله هو الكافي لجميع خلقه في الدفع والذبّ عنهم، والنصر لهم، فإذا عرفتم ذلك فكيف تخوفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي تخوفونه؟ والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } ، اختلف فيه:

قال بعضهم: بأهل الأرض جميعاً، يقولون له: إن العرب تفعل بك كذا، ويعملون بك كذا، كانوا يخوفونه بهم.

وقال بعضهم: كانوا يخوفونه بالأصنام التي كانوا يعبدونها أن يصيبه سوء وأذى من ناحيتها؛ كقوله - عز وجل -:إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [هود: 54] وكأن هذا أشبه بالآية؛ لأنه ذكر على إثر ذلك وعقبه الأصنام؛ حيث قال - عز وجل -: { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } هذا يدل أن ما ذكر من تخويفهم إياه إنما كان بالأصنام التي كانوا يعبدونها.

وقوله - عز وجل -: { وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ * وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } أخبر أنه إذا أراد هداية أحدكم لم يملك أحد إضلاله، وإذا أراد إضلال أحد لم يقدر أحد على هدايته، ذكر في الدين أن لا أحد يملك دفع ما أراد من هدى أو ضلال، ولا منعه على ذلك؛ على ما ذكر في الرزق وأسباب العيش، وعلى ما ذكر في الأنفس وحفظها؛ حيث قال:

السابقالتالي
2 3 4 5