الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } * { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } ، أي: بينا للناس في هذا القرآن من كل ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم؛ أخبر لهم ما لهم وما عليهم، أو لبعضهم على بعض، وأمثاله، والله أعلم.

وقوله: { لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }.

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: لكي يلزمهم التذكر والاتعاظ.

والثاني: لكي يبلغهم ما يتذكرون ويتعظون.

وقوله: { قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي: جعلناه قرآناً عربيّاً؛ كقوله:إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [يوسف: 2] لكي يفقهوه ويعرفوه؛ كقوله - تعالى -:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ... } الآية [إبراهيم: 4].

وقوله: { غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه لا يخالف الكتب السالفة؛ بل يوافقها؛ لأن كتب الله جاءت كلها على الدعاء إلى توحيد الله وربوبيته، فكذلك القرآن، فهو لا يخالف سائر الكتب؛ بل يوافقها.

والثاني: لا عوج فيه؛ لما لا يخالف بعضه بعضاً، ولا يناقض؛ بل خرج كله موافقاً بعضه بعضاً مستقيماً على تباعد نزوله في الأوقات، وبالله التوفيق.

وأصله: { غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } أي: ليس بمائل ولا زائع عن الحق.

وقوله: { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي: يتقون المهالك، أو سخط الله ونقمته.

وقوله: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } أي: لا يستويان.

يشبه أن يكون ما ذكر من المثل لرجلين من البشر كله: المسلمون والكافرون، ثم يحتمل الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون؛ أي: يتشاكسون في نسبه، يدعي كل نسبه.

أو يتشاكسون في الملك فيه، يقول كل: هو لي أو في الملك في قوم يدعي كل أن الملك له فيه.

أو يدعي كل أن الملك فيهم، ولا يثبت لواحد منهم النسب فيه لينتسب هو إلى واحد منهم، فيبقى متحيراً تائهاً؛ ولذلك لا يثبت لواحد منهم الملك الذي يدعي؛ ليطلب هذا منه النفقة، وما يجب على ذي الملك من حقوق الملك، فسعى ضائعاً متحيراً، وإذا كان الملك لرجل واحد، أو النسب أو الملك سالم له يصل إلى كل حق له، ويكون محفوظاً في نفسه معروفاً، فيكون مثل الذي فيه شركاء متشاكسون، هو الذي يعبد الشيطان أو الأصنام، أو هوى النفس، يدعو كل شيطان إلى غير الذي دعا الآخر، وكذلك الهوى يدعو صاحبه مرة إلى كذا، ومرة إلى غير ذلك، فهو كالذي فيه شركاء متشاكسون يدعي هذا وهذا، والذي يعبد إله الحق الذي يثبت ألوهيته بالحجج والآيات كالرجل السالم الواحد يكون أبداً على حالة واحدة، مطيعاً لله، خالصاً له.

وقوله: { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } أي: هل يستوي الرجل الذي يدعي فيه شركاء متشاكسون والرجل الذي يكون لرجل واحد، فيما ذكرنا؟! أي: لا يستويان.

وقال أهل التأويل: { هَلْ يَسْتَوِيَانِ } من يعبد آلهة شتى مختلفة، والذي يعبد ربّاً واحداً، وهو المؤمن، وقد رأوا أنهم قد استووا [في] هذه الدنيا، وفي الحكمة التفريق بينهما، وفيه دلالة البعث، وكذلك في قوله:

السابقالتالي
2 3 4