الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } * { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي } * { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ }

قوله: { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ }.

يحتمل أن يكون قال هذا؛ لما أن أهل مكة كانوا يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دينهم ودين آبائهم، وكانوا يطمعون عوده إليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } ذكر هاهنا أنه أمر أن يعبد الله مخلصاً له الدين، وقال في آية أخرىقُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ... } الآية [الأنعام: 56]، وقال في آية أخرى:قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً... } الآية [الأنعام: 56]، أخبر أنه لو اتبع أهواءهم فيما هم فيه يضل وما كان من المهتدين، ذكر في هذه الآيات النهي وترك اتباعه أهواءهم، ولم يذكر الأمر فيها بعبادة الله تعالى مخلصاً له الدين.

أو أن يقول: إني إذا أمرتكم بعبادة الله أمرت أنا أيضاً في نفسي أن أعبده مخلصاً، لست أنا كمن يأمر غيره شيئاً ولا يأتمر بنفسه، أو هو غير مأمور بذلك وهو ما قال: { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ }.

أو يقول: لست أنا كالملوك يأمرون أتباعهم بأشياء ويستعملونهم في أمورهم [و]لا يستعملون في ذلك أنفسهم، والله أعلم.

وقوله: { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.

الخوف هاهنا ليس هو حقيقة الخوف، ولكن العلم كأنه قال: إني أعلم إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، فآيسهم بالله بالمدينة عن عوده إلى دينهم، وقطع طمعهم عنه، وهو ما قال - عز وجل -:ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } [المائدة: 3] فأما ما داموا بمكة فإنهم كانوا طامعين في ذلك راجين فيه، والله أعلم.

وقوله: { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي * فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ }.

إنه يخرج هذا الحرف منه مخرج التهدد لهم والتوعد، يقول: أما أنا فإنما أعبد الله الحق وله أخلص ديني، فاعبدوا أنتم ما شئتم فإنه يجزيكم جزاء عبادتكم، كقوله تعالى:ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ... } الآية [فصلت: 40]، وذلك معروف في كلام الناس، يقول الرجل: اعمل ما شئت أو قل ما شئت فإن لك الجزاء كما تعمل؛ على الوعيد، فعلى ذلك قوله - عز وجل -: { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ } ، والله أعلم.

ويحتمل وجهاً آخر لا على الوعيد، ولكن يقول: قد بينت لكم وأوضحت السبيلين جميعاً بالآيات والحجج: سبيل النجاة الذي إذا سلكتموه نجوتم، وهو سبيل الله، وسبيل الهلاك الذي إذا سلكتموه هلكتم، وهو سبيل الشيطان، فإن أردتم النجاة فاسلكوا سبيل كذا، وإن أردتم سبيل الهلاك فاسلكوا سبيل كذا، والله أعلم.

السابقالتالي
2