الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } * { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله: { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ }.

أخبر الله الخلق ما كان من عادة الكفرة في غير آي من القرآن أنهم كانوا يخلصون الدين لله ويتضرعون إليه إذا مسهم بلاء أو شدة، إذا ركبوا البحر، وكان لهم خوف الهلاك في ذلك وفزع؛ كقوله - تعالى -فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ... } الآية [العنكبوت: 65]، وغير ذلك من الآيات، وكذلك كل بلاء وشدة أصابتهم، فزعوا إلى الله - عز وجل - وتضرعوا إليه، ثم إذا كشف الضر عادوا إلى ما كانوا من قبل.

وقوله: { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } يحتمل قوله: { نَسِيَ } ألا تملك الأصنام التي عبدوها دفع ذلك عنهم ولا كشفه.

أو نسي ألا ينفع شفاعتهم إياهم ونحوه؛ كقوله - عز وجل -:وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 67] أي: نسوا ما علموا من عجز الأصنام ونحو.

وقوله: { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ }.

كأن الآية في الرؤساء منهم جعلوا أنداداً ليضل الناس عن سبيله، يدل على ذلك: { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } في الدنيا { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } ، لما علم أنه يختم على الكفر، والله أعلم.

ثم الحكمة في ذكر هذا وأمثاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل وجوهاً:

أحدها: يصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سوء معاملتهم إياه، كما حكى عن سوء معاملتهم ولم يستأصلهم على أثر ذلك وذلك أعظم في العقل.

أو يخبر الأواخر عن سوء معاملتهم ربهم ليحذروا عن مثل معاملتهم ربهم.

أو يخبر عن حلمه أن كيف عاملهم فاحلم أنت، والله أعلم.

وقرئ: { لِّيُضِلَّ } و { لِّيِضِلَّ } فيه ثلاث لغات.

وقوله: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ }.

قال بعضهم: هذه الآية صلة ما تقدم من قوله: { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } يقول: الذي تضرع إلى الله، وأخلص دينه له، نسي ذلك وتركه إذا خول ذلك نعمة، وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله - كالذي هو قانت - أي: مطيع لله - آناء الليل والنهار يحذر عذابه ويرجو رحمته، ليسا بسواء عندكم: الذي أطاع الله في جميع أوقاته حاذر تقصيره في ذلك راجٍ رحمته لطاعته، والذي عصى ربه ولم يطعه، فإذا عرفتم أنهما ليسا بسواء ثم رأيتم أنهما قد استويا في نعم هذه الدار وسعتها وشدائدها وفي الحكمة التفريق بينهما، فلابد من دار أخرى يفرق بينهما فيها يثاب المحسن المطيع جزاء إحسانه وطاعته، ويعاقب الكافر الظالم جزاء كفره وظلمه، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3