الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } * { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } * { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } * { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } * { هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } * { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ }

قوله - عز وجل -: { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ }.

يحتمل قوله - عز وجل -: { وَٱذْكُرْ } من ذكر من الرسل - عليهم السلام - وأهل الصفوة، أي: اذكر هؤلاء بما لقوا من أعدائهم، فتستعين [به] أنت بما تلقى من أعدائك.

أو يقول: اذكر صبر هؤلاء على قومهم؛ لتصبر أنت على أذى قومك؛ وهو قريب من الأول [، أي:]. اذكر خبر هؤلاء في العبادة والدين ليحببك ذلك ويخرجك على الجهد فيها.

أو يقول: اذكر الأسباب التي بها صار هؤلاء أهل صفوة الله ومحل إحسانه؛ ليحملك ذلك على طلب تلك الأسباب؛ لتصير من أهل صفوة الله ونحوه يحتمل.

أو يقول: اذكر هؤلاء الصالحين لتتسلى بذكرهم عن بعض أمورك، وهمومك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ }.

قيل: أولي الأيدي، أي: أولي القوة في العبادة والبصر في الدين، ثم معلوم أن هؤلاء لم يكونوا أهل قوة في أنفسهم، وإنما كانوا أهل قوة في العبادة في الدين، ليعلم أن القوة في الدين غير القوة في النفس.

وقيل: أولي القوة في طاعة الله والبصر في الحق.

وقيل: في الفقه.

وقيل: أولي الفهم في كتاب الله، وهو واحد.

وفي قوله: { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } دلالة أن قد يفهم بذكر الأيدي غير الجارحة وبذكر البصر غير العين؛ لأنه معلوم أنه لم يرد بذكر الأيدي الجوارح، ولا بذكر الأبصار الأعين ولا فهم منه ذلك، ولكن فهم باليد القوة وبذكر البصر الفهم أو ما فهم؛ فعلى ذلك لا يفهم من قوله - عز وجل -:خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص: 75] ونحوه الجارحة على ما يفهم من الخلق، ولكن القوة أو غيرها لكن كنى باليد عن القوة لما باليد يقوى، وكنى بالبصر عن درك الأشياء حقيقة لما بالبصر يدرك الأشياء.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ }.

أي: شرف الدار وذكرهم صاروا مذكورين مشرفين في الدار.

وقوله - عز وجل -: { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ }.

أي: هم عندنا أهل صفوة اصطفاهم الله - عز وجل - واختارهم لنفسه ولرسالته.

وقال بعضهم: { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } اختارهم على علم الرسالة.

وقوله - عز وجل -: { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ }.

يحتمل قوله - عز وجل -: { وَٱذْكُرْ } وجوهاً على ما ذكرنا: صبر هؤلاء على ما لقوا من قومهم، فتستعين أنت على الصبر مما تلقى من قومك.

أو يقول: اذكر حسن معاملة هؤلاء ربهم وحسن سيرتهم فيما بينهم وبين الخلق؛ لتعامل أنت ربك مثل معاملتهم ومثل سيرتهم.

أو يقول: اذكر هؤلاء ومن ذكر، أي أكثر عليهم بحسن الثناء واذكرهم بخير ما أثنى عليهم، وأمر الناس أن يثنوا عليهم على ما تقدم ذكره؛ ليكونوا أبداً أحياء بحسن الثناء والذكر.

السابقالتالي
2 3