الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

قوله - عز وجل -: { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }.

ثم لا ندري ما الذي كان من الله من تمكين الشيطان عليه حتى أضاف ذلك إلى الشيطان، وليس لنا أن نقول: إنه مكن عليه كذا، وفعل كذا في كذا، وفعل به كذا، إلا أن يثبت عن الله.

ثم وجه الحكمة في تمكين الشيطان على أوليائه فيما مكن من أمر الدين؛ ليعلم جهة الفضل من جهة العدل وجهة الحكم من جهة الرحمة، وأن له أن يمتحن عباده بما شاء وكيف شاء من أنواع الشدائد والبلايا على أيدي من شاء، بلا أسباب كانت منهم يستوجبون بها ذلك، وله أن يجتبي إلى من شاء من أنواع الخير والنعم ابتداء بلا أسباب كانت منهم يستوجبون بها ذلك؛ فعلى ذلك بلاء أيوب - عليه السلام - والشدائد التي أصابته جائز أن يكون بلا سبب كان منه يستوجب ذلك، ولكن ابتداء امتحانٍ منه إياه بذلك.

ثم قوله: { مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } إنه وإن أضاف إليه فهو في الحقيقة من الله لما أخبر أنه على يديه؛ كقوله - عز وجل -:يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 14] أخبر أن حقيقة العذاب منه وإن كان على أيديهم يجري ذلك؛ وهو كقوله - تعالى -:وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ } [الأنعام: 17] أي: ما يمس الإنسان من ضر يكون على يدي آخر ويكون من الله، وله في ذلك صنع وفعل لا على ما يقوله المعتزلة أن لا صنع [لله] في فعل العباد، وأخبر أنه لو أراد بأحد ضرا ومسه بذلك، فلا كاشف لذلك الضر ولا دافع، وأنه لو أراد خيرا بأحد فلا راد لذلك الفضل غيره، فهو على المعتزلة أيضاً.

وقوله: { بِنُصْبٍ } ، ونُصُب: واحد وهو تعب؛ وكذلك يقول القتبي: النُّصب والنَّصب واحد من حُزن وحَزن وهو العناء والتعب.

وقال أبو عبيدة: النَّصَب: الشر، والنُّصْب: الإعياء.

ومنهم من يقول: إن أحدهما فيما يصيب ظاهراً من جسده، والآخر فيما يصيب باطنه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }.

جائز أن يكون لما قال:أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [الأنبياء: 83] دعا عند ذلك أن يكشف عنه البلايا التي مسته، كأنه قال:أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } [الأنبياء: 83] فاكشف ذلك عنيوَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [الأنبياء: 83] يدلك على ذلك قوله - عز وجل -:فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } [الأنبياء: 84] دل هذا على أن قد كان منه دعاء وسؤال في كشفه الضر عنه، فاستجاب الله دعاءه، فعند ذلك قال: { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } جائز أن يكون لما ضرب برجله الأرض وركضها نبع منها عينان: إحداهما للاغتسال فيها والأخرى للشرب منها، فكانت التي للشرب منها ماؤها بارد على ما يوافق الشرب ويختار ذلك، والأخرى ماؤها ما يوافق الاغتسال وهو دونه في النزول على ما قاله أهل التأويل عامة؛ كقوله - عز وجل -:

السابقالتالي
2 3