الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

قوله - عز وجل -: { وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }.

أثنى الله - عز وجل - على داود وابنه سليمان - عليهما السلام - بالأوبة إليه والرجوع، وهو ما قال - عز وجل - في داود - عليه السلام -:وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 17] وقد فسرنا الأوّاب.

وقال في سليمان - عليه السلام -: { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ... } إلى آخر ما ذكر.

دل ذكر قوله - عز وجل -: { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ } على أثر قوله: { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أنه إنما كان أواباً بالذي ذكر منه؛ لأن حرف { إِذْ } لا يذكر إلا عن شيء سبق، وسمى - عز وجل - داود - عليه السلام -: أواباً بما ذكر من تسبيحه بالعشي والإشراق والفزع إليه بما هو به، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ }:

قيل: الصافنات: هو الخيل.

وقال بعضهم: الصافنات: هي القائمات على ثلاث قوائم، رافعات إحدى الرجلين، أو إحدى اليدين على طرف الحافر.

وقال بعضهم: الصافنات: هن القائمات لا غير؛ وعلى ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تمنى أن يقوم له الرجال صفوناً - أي: قياماً - فليتبوأ مقعده من النار " أو كلام نحوه. والجياد: قيل: السراع، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ }.

دل ما سبق من ذكر الصافنات الجياد بالعشي على أن قوله - عز وجل -: { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } إنما أراد به تواري الشمس بالحجاب؛ إذ ليس شيء يتوارى بالحجاب في ذلك الوقت سوى الشمس.

ثم قوله - عز وجل -: { إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ } حتى شغلني عن ذكر ربي؛ إذ المحبة يجوز أن يكنى بها عن الإيثار، والله أعلم.

والثاني: إني أحببت حب الخير حبا حتى شغلني عن ذكر ربي حتى توارت الشمس بالحجاب على التقديم والتأخير، والله أعلم.

ثم قوله - عز وجل -: { حُبَّ ٱلْخَيْرِ } يجوز أن يكنى بالخير عن الخيل نفسه؛ على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " ، سمى الخيل: خيراً؛ فعلى ذلك قوله - تعالى -: { إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي } ، والله أعلم.

وقال بعضهم: صفونها: قيامها وبسطها قوائمها.

وقوله - عز وجل -: { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ }.

قال عامة أهل التأويل: أي: جعل يعقر سوق الخيل ويضرب أعناقها - والسوق: هو جماعة الساق - لما شغلته عن ذكر ربه وعن صلاة العصر حتى غفل عنها، فجعل يقطع سوقها ويضرب أعناقها كفارة عما شغل عن ذكر ربه، ثم إن ثبت ما ذكروا من عقر السوق والأعناق أنه على الحقيقة فهو يخرج على وجهين:

أحدهما: أنه كان ذلك في شريعته جائزاً، وإن كان في شريعتنا لا يجوز، نحو ما ذكر عنه من تعذيب الهدهد وغيره جين تفقده ولم يجبه حيث قال - عز وجل -:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8