الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } * { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } * { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

قوله - عز وجل -: { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } ، الباطل: هو الفعل الذي يذم عليه [فاعله]. والحق: هو الفعل الذي يحمد عليه فاعله.

وقوله - عز جل -: { ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }.

لم يظن أحد من الكفرة أن الله خلق شيئاً باطلا، لكن يكون خلق ما ذكر من السماوات والأرض وما بينهما من الأهل مخلوقا باطلا على ما عبد أولئك الكفرة وفي حسبانهم؛ لأن عندهم أن لا بعث ولا حياة بعد ما ماتوا، فكان خلق ذلك كله لو لم يكن بعث ولا نشور خلقاً باطلا لوجهين:

أحدهما: أنه لو لم يكن بعث يحصل إنشاؤه إياهم للفناء خاصة، وإنشاء الشيء وبناؤه للفناء خاصة لا لعاقبة تقصد عبث باطل سفه؛ كقوله - عز وجل -:أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً... } إلى آخر الآية [المؤمنون: 115]، صير خلقه إياهم إذا لم يكن رجوع إليه عبثاً؛ لذلك كان ما ذكرنا.

والثاني: أنه لو لم يكن بعث، لكان خلقهم غير حكمة؛ لأنه قد جمعهم جميعاً في نعيم هذه الدنيا ولذاتها: الولي، والعدو، وفي الحكمة التفريق والتمييز بينهما، فلو لم يكن دار أخرى ليفرق بينهما، لكان في خلقهم غير حكيم، وعندهم جميعاً أنه حكيم.

ثم يقول قتادة في قوله - عز وجل -: { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } إلى قوله: { بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } يقول: لم يذكر الله - عز وجل - من شأن داود - عليه السلام - ما ذكر إلا أن يكون داود قضى نحبه من الدنيا على طاعة الله والعمل له والعدل فيما ولاه الله عز وجل، ولكن الله تعالى وعظ نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين موعظة بليغة شافية، ليعلم من ولي [من] هذا الحكم شيئاً أنه ليس بين الله وبين العباد سبب يعطيهم خيراً ولا يدفع عنهم به شرّاً إلا بطاعة الله والعمل بما يرضى.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ }.

أي: جعلنا لك الخلافة فيمن ذكرنا.

وقوله - عز وجل -: { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ }.

هو صلة قوله - عز وجل -: { ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }: كان ظنهم أن لا بعث ولا نشور، فيقول - والله أعلم -: إنه لو كان على ما ظن أولئك الكفرة: أن لا بعث لكان في ذلك جعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات في هذه الدنيا كالمفسدين في الأرض وجعل المتقين كالفجار؛ إذ قد سوى بينهم في هذه الدنيا وجمعهم في لذات هذه الدنيا وشهواتها وفي حسناتها وسيئاتها، وفي الحكمة التفريق بينهما والتمييز، وقد سوى بينهما في الدنيا على ما ذكرنا من جمعهم في المحنة بالخير والشر، فلو كان على ما ظن أولئك أن لا بعث ولا حياة، لكان ذلك جمع وتسوية بين الولي والعدو، وفي الشاهد من سوى بين من عاداه وبين من والاه، وجمع بينهما في البر والجزاء كان سفيها غير حكيم؛ فعلى ذلك الله - سبحانه - لو لم يجعل داراً أخرى يفرق بينهما كان غير حكيم؛ إذ قد سوى بينهما وجمع، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً.

السابقالتالي
2