الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } * { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ } * { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ }

ويكون قوله - عز وجل -: { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } على ما تقدم من قولهم: إنه ساحر [و] إنه كذاب، وإنه اختلق هذا القرآن من ذات نفسه ونحوه، ويؤيد ذلك قول سعيد بن جبير قال: ذكرت لهم الجنة فاشتهوا ما فيها، فقالوا: { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } أي: نصيبنا من الجنة.

وقوله - عز وجل -: { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ }.

يحتمل قوله - عز وجل - لرسوله صلى الله عليه وسلم: { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ } وجوهاً:

أحدها: أن اذكر نبأ داود، ونبأ من ذكر في هذه السورة من قوله: { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ } { وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } ، ومن ذكرهم - عليهم السلام - وعلى محمد في هذه السورة، أي: اذكر نبأهم الذي لم يكن لتعرفه أنت ولا قومك من قبل هذا، لعلهم يصدقونك ويؤمنون بك؛ كقوله - عز وجل -:تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [هود: 49].

والثاني: قوله - عز جل -: { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ } ، أي: اذكر صبر هؤلاء على أذى قومهم وتكذيبهم إياهم؛ لتصبر على أذى قومك وتكذيبهم إياك كما صبر أولئك؛ كقوله - عز وجل -:فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 35].

والثالث: اذكر داود ومن ذكر من الأنبياء، أي: اذكر لهم المصدقين وما يكون لهم من الكرامات والثواب، كما ذكرت لهم المكذبين وما نزل بهم من العذاب، لعلهم يرجعون ويصدقونك؛ ليعلموا من هلك منهم بم هلك؟ أو ليعلموا أن في أوائلهم المصدقين له والمؤمنين، فكيف اتبعتم المكذبين منهم دون المصدقين؟! والله أعلم.

ويحتمل قوله - عز وجل -: { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا } ، أي: اذكر جهد داود وجهد من ذكر من هؤلاء في العبادة والدين وأمثال ذلك يحتمل، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }.

قال عامة أهل التأويل: { ذَا ٱلأَيْدِ } ، أي: القوة على العبادة.

وجائز أن يكون قوله - عز وجل -: { ذَا ٱلأَيْدِ } في أمر الله، [أو] في أمر الدين؛ لأنه ألين له الحديد حتى كان يتخذ منه الدروع وغيرها من الأسلحة، وسخر له الطير والجبال حتى كان يسبح معهم بالعشي والإشراق، وحتى كان يستعمل ما اتخذ الحديد فيمن شاء من أمر الدين من المحاربة مع الأعداء والدرء عن أهل الإسلام والدفع عنهم، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّهُ أَوَّابٌ }.

قال بعضهم: { أَوَّابٌ } مطيع لله، مقبل على طاعته.

وقال بعضهم: { أَوَّابٌ } ، أي: مسبح لله، ذكر أنه كان كثير التسبيح؛ وكذلك قال - عز وجل -يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } [سبأ: 10]، أي: سبحي معه، هذا محتمل.

وجائز أن يكون قوله - عز وجل -: { أَوَّابٌ } ، أي: رَجَّاع إلى الله، يرجع إليه في كل أمر وإليه يفزع في كل نائبة وحادثة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10