الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } * { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } * { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } * { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } * { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } * { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } * { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } * { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } * { قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } * { قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } * { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ }.

أي: إبراهيم - عليه السلام - من شيعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول على دينه ومنهاجه.

وقال بعضهم: من شيعة نوح، أي: إبراهيم من شيعة نوح - عليهما السلام - على ما تقدم ذكر نوح - عليه الصلاة والسلام - حيث قال: { نَادَانَا نُوحٌ... } إلى آخر ذلك أن إبراهيم من شيعته على دينه ومنهاجه.

وقيل: لذكرها { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }: عن جميع ما يمنعه من الإجابة لربه فيما دعاه، والصبر على ما امتحنه وابتلاه، والله أعلم.

وعلى ذلك سماه الله - عز وجل - في كتابه الكريم:وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [النجم: 37] جميع ما أمر به وامتحن به، والله أعلم.

وجائز أن يكون ذلك في الآخرة يقول: { جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }؛ كقوله - عز وجل -:وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [البقرة: 130] أخبر أنه في الآخرة يكون من الصالحين وذلك سلامة قلبه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل - { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ }.

قد اختلف سؤال إبراهيم - صلوات الله عليه - بقوله مرة: قال لهممَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } [الأنبياء: 52]، ومرة قال: { مَاذَا تَعْبُدُونَ } ، ثم ذكر في غير هذا الموضع إجابتهم إياه حيث قالوا:نَعْبُدُ أَصْنَاماً } [الشعراء: 71]، وما قالوا:وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } [الأنبياء: 53]، ولم يذكر هاهنا شيئاً قالوه له، ثم معلوم أنه لا بهذا اللسان أجابوه بما أجابوه، ثم ذكره على اختلاف الألفاظ والحروف ليعلم أن تغيير الحروف والألفاظ لا يغير المعنى، وكذلك جميع القصص التي ذكرت في القرآن يذكرها مكررة معادة مختلفة الألفاظ والحروف والقصة واحدة؛ ليدل أن المأخوذ والمقصود من الكلام معناه لا لفظه وحروفه، والله أعلم.

ثم قوله - عز وجل -: { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ }.

يقول - والله أعلم -: إفكا أي: كذباً تمسككم بالأصنام التي تعبدونها من دونه، يقول: كذباً ذلك، ليست بآلهة دون الله [و]عبادته.

أو يقول: إفكا، أي: كذباً الآلهة التي اتخذتموها آلهة دون الله، يريدون أن يتخذوا آلهة وهو قريب [من] الأول، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.

يقول - والله أعلم -: فما ظنكم برب العالمين أن يفعل بكم إذا اتخذتم دونه آلهة، وصرفتم العبادة والشكر عنه إلى من دونه، وقد تعلمون أنه هو المنعم عليكم هذه [النعم] وهو أسدى إليكم هذا الإحسان وهو تعالى أداها إليكم.

أو يقول: فما ظنكم برب العالمين أنه يرحمكم ويفعل بكم خيراً في الآخرة بعد تسميتكم الأصنام: آلهة، وعبادتكم إياها دون الله، بعد علمكم: أنه هو خالقكم، وهو سخر لكم جميع ما في الدنيا وهو أنشأها لكم، فما تظنون به أن يفعل بكم: أن يرحمكم ويسوق إليكم خيراً؟! أي: لا تظنوا به ذلك، ولكن ظنوا جزاء صنيعكم.

السابقالتالي
2 3 4