الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } * { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } * { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } * { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ }

ثم قال: { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ }.

يحتمل قوله - عز وجل -: { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً } من النزل والمقام، أي: المقام الذي نزلنا فيه نحن خير أم شجرة الزقوم.

ويحتمل قوله: - عز وجل -: { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً } أن يكون من الأنزال، أي: ما لنا من [النعم] العظام والمأكل والمشرب خير أم شجرة الزقوم؟

قال بعضهم - أعني: بعض الكفار - عندما خوفوا بها: هل تدرون ما الزقوم؟ هو التمر والزبد، فقالوا: هذا الذي يخوفنا به محمد.

وقال بعضهم: إن محمداً يدعي أن تكون الشجرة في النار، والنار من طبعها أن تحرق الشجر وتأكله، فكيف يكون في النار الشجرة؟! تكذيباً منهم وإنكاراً لذلك، فأخبرهم الله - عز وجل - عن تلك الشجرة وعن حالها فقال: { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } ، أخبر أن تلك الشجرة خرجت من أصل الجحيم وأنشئت منها، والشجرة التي أنشئت من النار لا تأكلها النار ولا تحرقها وإنما تأكل غيرها من الأشجار التي لم تنشأ منها، ومثل هذا جائز أن يكون الشيء الذي يكون نشوءه وبدؤه من كل شيء ألا يهلكه كونه في ذلك؛ كالسمك الذي يكون أصل نشوئه في الماء، لا يهلكه الماء وكذلك جميع دواب البحر وإن كان غيرها من الدواب في البرية يهلك فيه ويتلف؛ فعلى ذلك الشجرة المنشأة منها لا تهلكها النار ولا تحرقها، وإن كان غيرها من الأشجار تأكلها وتحرقها، والله أعلم.

والجحيم: قيل: هو معظم النار وغلظها، يقال: أجحمت النار، أي: أعظمتها، يقال: نار جحيمة، أي: عظيمة.

وقوله: { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ }.

اختلف فيه:

قال بعضهم: إن نوعاً من الحيّات يسمين: شياطين، لها رءوس سود قباح، لها عرف كعرف الفرس، و[شبه] طلع تلك الشجرة وثمرتها لقبحها وسوادها برءوس من تلك الحيات، والله أعلم.

وقال بعضهم: هو نوع من النبات بالبادية يستقبحه الناس أشد الاستقباح، شبه طلع تلك الشجرة وثمرتها بذلك النبات.

وقال بعضهم: إن جبالا بمكة سود قباح يستقبحها أهل مكة سموها: شياطين، شبه ثمار تلك الشجرة وطلعها برءوس تلك الجبال، والله أعلم.

وقال بعضهم: لا ولكن حقيقة رءوس الشياطين؛ لأن الله - عز وجل - جعل للشياطين في قلوب أولئك الكفرة فضل بغض وقبح والنفار منها وإن لم يروها ولم يعاينوها، فشبه طلع تلك الشجرة برءوس الشياطين؛ لفضل إنكارهم وبغضهم إياها حقيقة، وفي ذلك آية عظيمة لرسالته صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لم يروا الشياطين ببصرهم ولا عرفوهم معاينة، وإنما عرفوهم بأخبار الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وبها استنكروها واستقبحوها وهم قوم لا يؤمنون بالرسل - عليهم السلام - فإذا قبلوا أخبار رسل الله فيهم، لزمهم أن يقبلوا قولهم في الرسالة وفي جميع ما أخبروا، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3