قوله: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ }. قال بعضهم: أقبلت الإنس على الجن. وقال بعضهم: أقبلت الإنس على الشياطين، فقالوا لهم: { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } ، قال بعضهم: من قبل الخير والطاعة؛ فتسهوننا وتشغلوننا. وقال بعضهم: من قبل الدين والتوحيد من حيث يحترس، وهو الأوّل. وقال بعضهم: من قبل الحق ونحوه. فرد عليهم أولئك: { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }. يقولون: إنكم تركتم الإيمان بأنفسكم وباختياركم لا إنا منعناكم منعا عنه. وقالوا: { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ }. أي: ما كان لنا عليكم من حجة أو برهان ألزمناكم به، بل أطعتمونا طوعاً واستجبتم لنا فيما دعوناكم، فهذه المناظرة والمجادلة فيما بينهم كمناظرة إبليس في موضع آخر حيث قال - عز وجل -:{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } [إبراهيم: 22] موعدي{ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [إبراهيم: 22] أي: دعوتكم بلا حجة ولا برهان فاستجبتم لي؛ فعلى ذلك يقول هؤلاء: { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } باختياركم ترك الإيمان بلا سلطان ولا حجة كان عليكم، وكمناظرة القادة مع الأتباع حيث قال:{ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } [الأعراف: 39] ونحوه، والله أعلم. ويحتمل قوله: { قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } أي: من جهة القوة، أي: إنكم على الحق وإنكم مؤمنون ونحو ذلك. ويحتمل لا على حقيقة اليمين، ولكن تأتوننا من كل جهة؛ كقوله:{ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ... } الآية [الأعراف: 17]، أي: من كل جهة لا على حقيقة ما ذكرنا، والله أعلم. وقد ذكرنا أن قوله - عز وجل -: { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أن قوله: { سُلْطَانٍ } أي: لم يكن لاتباعكم إيانا وطاعتكم لنا حجة أو برهان أقمناه عليكم فيما دعوناكم إليه، [وإنما كان] اتباعاً من غير أن ألزمناكم؛ فلا تلومونا ولكن لوموا أنفسكم. { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ }. أي: بطغيانكم اتبعتمونا لا بما ذكرتم، والله أعلم. ثم قالوا: { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ }. يشبه أن يكون هذا قول الأكابر منهم والمتبوعين للأصاغر والأتباع منهم: أن حق علينا قول ربنا؛ قال بعضهم: أي: وجب علينا وعليكم عذاب ربنا. ويشبه أن يكون القول الذي أخبروا أنه حق عليهم هو قوله:{ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود: 119]. وقوله: { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ }. يحتمل أن تكون هذه المعاتبة التي ذكرت كانت بين الأتباع والمتبوعين من الإنس؛ كقوله - عز وجل -:{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } كذا [سبأ: 33]،{ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ... } كذا [سبأ: 32]؛ وكقوله: