الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } * { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } * { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } * { دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } * { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ }

ليس أن هذه السماء التي نراها ونعاينها هي سماء الدنيا وغيرها سماء الآخرة، ولكن سماها سماء الدنيا لدنوّها من أهل الأرض وقربها منهم، وأهل الأرض هم الجن والإنس، ولهما جرى الخطاب في ذلك وفي غيره؛ وعلى ذلك قول أهل التأويل: إنها إنما سميت: سماء الدنيا؛ لدنوها من أهلها، ولقربها منهم، والله أعلم.

وفي قوله - عز وجل -: { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } أخبر أنه - عز وجل - زينها بزينة الكواكب، وزينة الكواكب نفسها أضافها إلى نفسها وهي الزينة لها لا غير، فهو - والله أعلم - كأنه قال - عز وجل -: { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ } وهي الكواكب، أو قال: { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ } فسئل ما هي؟ فقال الكواكب.

وقوله - عز وجل -: { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ }.

قال - عز وجل -:وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } [الحجر: 17]، وحفظه إياها ما ذكر في قوله - عز وجل: { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً } ، قال ابن عباس وغيره: قوله: { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } كانوا يَسَّمَّعُون ولا يَسْمَعُون.

وقال بعضهم: كانوا لا يسمعون أخبار الملائكة وحديثهم فيما يتراجعون بينهم من أمر الله وهم الملأ الأعلى.

ومن يقول: إنهم كانوا لا يسمعون يذهب إلى ما ذكر في سورة الجن حيث قالوا:وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [الجن: 8-9] أخبروا أن من يستمع الآن يجد له ما ذكر؛ دل أنهم كانوا يستمعون.

فإن قيل: كيف يوفق بين هذه الآية وبين قوله - عز وجل -: { وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً... * إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } استثنى الخطفة، وقال هاهنا:فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ... } [الجن: 9] كذا ثم الخطفة إلا أن يكون على التمثيل، أي: موضع يخطف، أو على حقيقة الخطفة وهي الاستلاب والأخذ على السرعة، والله أعلم.

لكن يشبه أن يكون الآية التي [قال] - عز وجل -:وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [الجن: 8-9] في المؤمنين منهم؛ ألا ترى أنهم قالوا:وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ } [الجن: 13]، وأما ما ذكر في سورة الصافات فهو في الكفار منهم والمردة { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } من الشياطين الذين يستمعون، والله أعلم.

ثم [في] قوله - عز وجل -:

السابقالتالي
2