الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } * { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } * { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } * { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا * فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً }.

اختلف فيه:

قال بعضهم: الصافات هي الطير إذا صفت أجنحتها بين السماء والأرض.

وذكر عن ابن مسعود قال: الصافات والزاجرات والتاليات كلهم الملائكة، قال: الملائكة الصافات اصطفت الملائكة صفّاً لعبادة الله - عز وجل -: وتسبيحه، وكذلك ذكر عن ابن عباس وغيره إلا أن غيره يفسر الزاجرات والتاليات أي ملائكة هم؟ ولسنا نذكر عن ابن مسعود وابن عباس التفسير.

وقال بعضهم: { فَٱلزَّاجِرَاتِ }: هم الملائكة الذين يزجرون السحاب والأمطار، { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } هم الملائكة يتلون القرآن والوحي على الرسل والأنبياء، عليهم السلام.

وقال قتادة: { وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } أقسم الله - عز وجل - بخلق ممن خلق، قال: { وَٱلصَّافَّاتِ }: الملائكة صفوف في السماء، { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً }: ما ذكر الله في القرآن من زواجر عن المعاصي والمساوي، { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } قال: ما يتلى عليكم في القرآن من أخبار الرسل - عليهم السلام - وأنباء الأمم التي كانت قبلكم.

وجائز أن يكون { وَٱلصَّافَّاتِ }: هم الملائكة الذي يصلون لله - عز وجل - صفوفاً على ما ذكروا، { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً }: هم الملائكة الموكلون بأرزاق الخلق وسوقها إليهم يسوقون إليهم سوقاً، { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً }: هم الملائكة الموكلون بالتسبيح والتحميد وجميع الأذكار.

ثم وجه القسم بالملائكة الذين ذكر - والله أعلم -: أنه عز وجل قد عظم شأن الملائكة وأمرهم في قلوب أولئك الكفرة حتى قالوا:لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } [الفرقان: 7]، وقولهم:لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } [الأنعام: 8]، وقول فرعون:أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [الزخرف: 53]، وقولهم:لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [الفرقان: 21]، وما وصفهم الله - عز وجل -: أنهملاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ... } الآية [التحريم: 6]،لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } الآية [الأعراف: 206]، وقوله - عز وجل -:يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ... } الآية [الأنبياء: 20]، عظم الله - عز وجل - أمر الملائكة عليهم و[عظم] شأنهم في قلوب أولئك الكفرة وصدقهم عندهم؛ لذلك أقسم بهم على وحدانيته بقوله - عز وجل -: { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } على هذا وقع القسم.

ثم أخبر عن صنع ذلك الواحد الذي هو إلهكم وإله الخلق جميعاً، وذكر نعته، فقال - عز وجل -: { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ }.

يخبر عن وحدانيته وتفرده حيث أنشأ السماوات وأنشأ الأرض وما ذكر، وجعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما، ومنافع المشارق متصلة بمنافع المغارب على بعد ما بينهما، ولو كان فعل عدد لمنع اتصال منافع بعض ببعض على ما يكون من فعل ذوي عدد وغلبة بعض على بعض، فإذا لم يمتنع ذلك، بل اتصل بعض ببعض؛ دل أنه فعل واحد لا شريك له.

السابقالتالي
2