الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } * { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } * { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } * { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } * { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }

قوله: { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ }.

أي: من نعمره حتى يدركه الهرم والضعف، يقول: نرده في الخلق الأول لا يعقل فيه كعقله الأول؛ كقوله:وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [النحل: 70].

{ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ }.

أي: من فعل هذا، أو قدر على هذا، لا يعجزه شيء ويتأدى به شكره.

قال القتبي: المطموس: هو الذي لا يكون بين جفنيه شق، { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ } أي: فتجوزوا.

[و]قال أبو عوسجة: { لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } أي: أعميناهم، والمسخ: هو تغيير الصور والأبدان.

وقوله: { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ }.

أي: نصيره ضعيفاً بعد أن كان قويّاً.

وقوله: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ }.

نزل هذا - والله أعلم - عند قولهم: إنه شاعر، وإنه كذاب؛ فأخبر أنه لم يعلمه الشعر، وما ينبغي له الشعر، تكذيباً لهم، وردّاً عليهم: أنه شاعر، وأن هذا القرآن شعر، جعل الله عجز رسوله عن القيام بإنشاد الشعر بعض آياته من آيات رسالته، كما جعل عجزه عن تلاوة الكتاب من قبل وكتابته وخطه بيمينه آية من آيات رسالته؛ ليعلم أولئك الذين قذفوه بالشعر والافتراء من نفسه والكذب على الله وبالسحر أنه إنما أخبر عن وحي عن الله، لا ما يقولون هم، وهم على يقين، وعلم: أنه ليس شاعراً ولا ساحراً ولا كذاباً؛ لما لم يروه اختلف إلى أحد منهم في تعلم ذلك، ولا كان عنده من كتبهم منها أخذ ذلك [ولا أخذ عليه] كذب قط، لكنهم نسبوه إلى ما نسبوه من الشعر والسحر والكذب؛ تعنتاً منهم وعناداً، يلبسون أمره بذلك على أتباعهم وسفلتهم؛ لئلا تذهب رياستهم ومنفعتهم.

وفي قوله: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } دلالة نقض قول المعتزلة؛ حيث أخبر أنه لم يعلمه الشعر، وقد أعطى له جميع أسباب الشعر، وقال في القرآن:عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [الرحمن: 2] وعَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } [الرحمن: 4] أنه كان من الله لطف سوى السبب فيما أخبر أنه قد علمه؛ دل أن التعليم له فيما كان منه تعليم له بلطف منه سوى السبب لا بنفس السبب؛ إذ نفس السبب قد كان له في الأمرين جميعاً، والله أعلم.

وقوله: { وَمَا يَنبَغِي لَهُ }.

أن يشتغل بشيء مما يتلهى به، والشعر في الأصل؛ إنما جعل للتلهي به والتلذذ؛ لذلك حيل بينه وبين طبعه إنشاد الشعر؛ ليكون أبداً مشتغلا بما هو حكمة وعلم، وفيما هو أمر الله، لا بما فيه التلهي واللهو، والله أعلم.

وقوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }.

{ إِنْ هُوَ } أي: ما هذا القرآن إلا ذكر؛ لما نسوه من أمر الله ووعده ووعيده ومما لهم، ومما عليهم، يذكرهم ما نسوه وتركوه و { مُّبِينٌ }: يبين لهم ما لهم وما عليهم، أو يبين لهم ما يؤتى وما يتقى، أو يبين لهم أنه من الله جاء ومن عنده نزل لا من عند المخلوقين.

السابقالتالي
2 3