الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ }

قوله: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ }.

قد ذكرنا القول في الصور في غير موضع، واختلافهم في ذلك:

قال قائلون: الصور: هو شبه القرن ينفخ فيه، وعلى ذلك روي عن عبد الله بن عمرو قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال: " قرن ينفخ فيه " ، فإن ثبت فقد كفينا مؤنة الاشتغال بغيره.

وقال قائلون: هو على التمثيل لا على التحقيق، لكنه ذكر النفخ؛ لسرعة أمرها وقيامها؛ إذ ليس شيء أسرع نفاذاً ولا أخف من النفخ، فهو عبارة عن سرعتها ونفاذها؛ كقوله:وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل: 77]، وهو قوله: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ }.

قال أهل التأويل: ينفخ في الصور ثلاثاً بين كل نفخة مهلة كذا كذا سنة، يقولون: في النفخة الأولى يصعق فيها كل شيء مما خلق الله؛ كقوله:وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [الزمر: 68]، ثم ينفخ ثانياً فيحيون بها ويخرجون من قبورهم، وهو قوله: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } ، وينفخ ثالثاً، فيجتمعون عند ربهم، وهو قوله: { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } ، والله أعلم بذلك.

والنسل: هو سرعة الخروج، أي: يسرعون، قال أبو عوسجة: النسل: هو المشي { يَنسِلُونَ } أي: يمشون، لكنه مشي مع سرعة، وهما واحد.

وقوله: { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا }.

من الناس من ينكر عذاب القبر بهذه الآية يقول: المرقد: موضع الراحة، والراقد هو الذي يكون في راحة، فلو كان لهم عذاب، أو كانوا في عذاب، لم يكونوا في رقدة ولا راحة، دل أنه لا يكون.

ومنهم من يقول: يكون في القبر عذاب، إلا أنهم لما عاينوا عذاب الآخرة، صار عذاب القبر لهم كالرقاد عند عذاب الآخرة.

ومنهم من يقول: ينامون نومة قبل البعث، ثم يبعثون، ومثل هذا.

وجائز أن يكون النفس التي تخرج عند النوم تلك النفس في حال الموت، فتجد تلك ألم ذلك كما تجد النفس التي تخرج من النائم ألم عذاب يصيبه، وتجد لذة أيضاً إذا كانت لذة، وترى في النوم أهوالا وأفزاعاً وذلك معروف؛ فعلى ذلك هؤلاء الكفرة يعذبون بما ذكرنا، فإذا بعثوا قالوا عند ذلك: { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } ، والمرقد: هو الموضع الذي ينام فيه.

أو أن يكونوا في عذاب - أعني: في القبور - لكنهم إذا عاينوا عذاب الآخرة وشاهدوا أهوالها، هان ذلك العذاب الذي كان لهم في القبر وسهل عند عذاب الآخرة؛ فصار ذلك كالرقاد لهم عند عذاب الآخرة فقالوا عند ذلك: { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } ، والله أعلم بذلك.

السابقالتالي
2 3