الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } * { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ }

قوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.

اختلف في قوله: { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ }: قال قائلون: { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ }: ما كان من عقوبات الله ووقائعه فيمن كان قبلكم من عنادهم في آياته وتكذيبهم رسله، يقول: اتقوا ذلك واحذروا نزوله عليكم، فسمى: بين أيديهم؛ لأنه مضى بين أيديهم، وما خلفهم من أمر الساعة وعذابها سمى: خلفا؛ لأنه بعد ورائهم غير مأتي، يقول: احذروا ذلك.

وقال قائلون: { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } هي عقوبات الآخرة هي بين أيديهم ستأتي بهم وستنزل، { وَمَا خَلْفَكُمْ } ما مضى من العقوبات التي نزلت بمن كان قبلكم؛ فصار ذلك وراءً وخلفاً، يقول: احذروا ذلك.

وجائز أن يكون غير هذا يقول - والله أعلم -: احذروا ذنوبكم التي عملتم ومعاصيكم التي عصيتم في الدنيا، واحذروا أيضاً ما تسنون أيضاً لمن بعدكم؛ كقوله:عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [الانفطار: 5]: ما قدمت: ما عمل هو، وما أخرت ما سن لغيره من بعد.

وقوله: { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.

أي: إذا فعلتم ذلك استوجبتم الرحمة بفضله، والله أعلم.

وقوله: { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ }.

هذا - والله أعلم - في قوم خاصة اعتادوا العناد والمكابرة في رد الآيات والإعراض عنها؛ لما كان سؤالهم الآيات تعنتاً لا سؤال استرشاد، ولو كان سؤالهم سؤال استرشاد، لكان قد أنزل لهم من الآيات وأتاهم ما يلزمهم قبولها والتمسك بها.

ثم الإعراض والعناد يكون بوجهين:

أحدهما: يعرض عنها؛ لما لم تقع له؛ لترك التأمل والنظر فيها.

والثاني: يعرض عنها إعراض عناد بعد التحقيق والتيقن والعلم بأنها آيات، والله أعلم.

وقوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله }.

يحتمل قوله: { أَنفِقُواْ } أي: صلة الأرحام والقرابات على حقيقة الإنفاق.

ويحتمل: أن اقبلوا الإنفاق وهو الزكاة بقوله:وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } الآية [فصلت: 6-7] أي: لا يقبلون الإيتاء، والله أعلم.

وقوله: { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ }.

بهذا قالت المعتزلة في قولهم: إن الله لا يفعل إلا ما هو أصلح له في الدين، يقولون: لو كان الإنفاق والرزق أصلح لهم في الدين لرزقهم الله على ما رزقنا.

فيقال للمعتزلة: أمره إياهم بالإنفاق على من ذكر لا يخلو من أن يكون النفقة لهم والرزق أصلح في الدين، ثم لم يرزقهم ولم يوسع عليهم، وإما أن يكون المنع أصلح لهم وترك الإنفاق: فإن كان الأول فقد ترك فعل ما هو أصلح في الدين، أو الثاني، فقد أمر هؤلاء بفعل ما هو ليس بأصلح، فكيفما كان، ففيه دلالة أن ليس على الله حفظ الأصلح للخلق في الدين، إنما عليه فعل ما توجبه الحكمة وحفظ ما يكون حكمة، وهؤلاء لم ينظروا إلى ما توجبه الحكمة، وفي الحكمة الامتحان والابتلاء: هذا بالسعة وهذا بالشدة والضيق؛ ثم أوجب على من وسع عليه في فضول ماله حقّاً لهذا الفقير والمضيق عليه، وبين ذلك الحق، وبيّن قدره وحدّه، ليتأدى بذلك شكره، وضيق على هذا، يطلب منه الصبر على ذلك إن منع هذا حقه، وإلا لم يسبق ممن وسع عليه ما يستوجب به تلك النعمة والسعة، ولا ممن ضيق عليه ما يستوجب ذلك، ولكن محنة يمتحنهم بها: هذا بالشدة والضيق، وهذا بالسعة والكثرة، هذا مأمور بالشكر وأداء ما أوجب عليه في ماله، وهذا بالصبر على حاجته إن منع حقه؛ وعلى ذلك روي في الخبر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

السابقالتالي
2