الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } * { إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } * { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } * { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } * { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }

قوله: { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ }.

قال عامة أهل التأويل: إن هذا الرجل يسمّى: حبيب النجار، وهو من بني إسرائيل، كان في غار يعبد الله، فلما سمع بالرسل، نزل وجاء، فقال ذلك ما قال: لكن لا ندري من كان؟ وليس لنا إلى [معرفة] اسمه حاجة.

ثم يحتمل قوله: { مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ } رغبة في الرسل وفي دينهم فدعاهم إلى اتباع الرسل.

أو أن يكون كان مؤمناً مسلماً مختفياً، فلما بلغه خبر إهلاك الرسل، جاء يسعى؛ إشفاقاً عليهم؛ لئلا يهلكوا - أعني: الرسل - فقال: { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ * ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } أي: اتبعوا الهدى، والهدى مما يجب أن يتبع، ولا يسألكم على اتباع الهدى أجراً؛ فيمنعكم الأجر عن اتباع الهدى.

أو أن يقول: اتبعوا المرسلين، واعلموا أنهم مهتدون حيث لا يسألونكم أجراً وهم مهتدون في الدنيا ولا العز؛ إذ كل من لا يسأل هذا فهو مهتد، وكل مهتد متبع، وهذا يدل أن طلب الأجر في ذلك مما يجعل صاحبه معذوراً في ترك الاتباع؛ وكذلك قوله:أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [الطور: 40]، أي: لا يسألكم أجراً حتى يمنعكم ثقل الأجر عن إجابته واتباعه، وهذا ينقض ويبطل قول من يبيح أخذ الأجر على تعليم القرآن والعلم؛ لأنه إذا كان له ألا يعلم إلا بالأجر كان له ألا يعلم بكل أجر، ففي ذلك إبطال الدّين وجعل الرخصة لهم في ترك ذلك، وذلك سمج قبيح، والله أعلم.

وقوله: { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.

يخرج على وجهين:

أحدهما: على الاحتجاج عليهم بعد سؤال كان من أولئك له في الرجوع إلى عبادة من يعبدونه دون الله وترك عبادة الله، فقال: إنكم تعبدون هذه الأصنام رجاء أن يقربكم ذلك إلى الله زلفى، وما لي [لا] أعبد الذي ترجون أنتم الزلفى والقربة منه؟!

والثاني: على التذكير والتنبيه لهم: أنتم تعلمون أن الذي فطرنا وخلقنا هو المستحق للعبادة لا من لم يفطر ولم يخلق، ثم تعلمون أن الله هو فطرنا وخلقنا [لا] الأصنام التي تعبدونها، وما لي لا أعبد الذي فطرنا وأترك الذي لم يفطرنا؟! والله أعلم.

وقوله: { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ }.

يقول: أأتخذ من دون الله معبودا لو أراد الله بي ضرّاً لم يملك ذلك المعبود دفع ذلك عني، ولو نزل بي شدة أو بلاء منه، لم يقدر استنقاذي منه، ولو طلبت منه جرّ نفع لم يقدر على جلبه إلىّ، وأترك عبادة من أعلم أن ذلك كله منه، وهو المالك لذلك كله: من جرّ نفع، ودفع ضر وبلاء، وفي الحكمة: العبادة لمن يملك ذلك كله لا لمن لا يملك، وبالله التوفيق.

السابقالتالي
2 3