الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } * { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } * { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً } * { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً }

قوله: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ }.

هو قسمهم بالله، ومعناه - والله أعلم -: أن العرب كانت من عادتهم أنهم كانوا يحلفون بالآباء والطواغيت، لا يحلفون بالله إلا فيما عظم أمره، وجل قدره؛ تأكيدا لذلك الأمر؛ لذلك كان قسمهم بالله جهد أيمانهم، وقد ذكرنا معنى جهد الأيمان فيما تقدم.

وقوله: { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } قيل: رسول { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ }.

فيه دلالة: أنهم قد وقعت لهم الحاجة، ومستهم الضرورة إلى رسول يبين لهم أمر الدين ومصالحهم، وما لهم، وما عليهم، حيث أقسموا وعهدوا أنه لو جاءهم نذير لاتبعوه واقتدوا به، ثم تركهم لذلك العهد؛ لما لم يروه أهلا لذلك؛ لما كان هو دونهم في أمر الدنيا؛ استكباراً منهم عليه؛ ولذلك قالوا:لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] وإن تركوا أتباعهم نقضوا عهدهم لما رأوا مذاهب الناس مختلفة، فظنوا أن الاختلاف يرفع من بينهم به، فإن لم يرتفع تركوا اتباعه، أو لمعنى آخر لا نعلمه، والله أعلم.

وقوله: { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ }.

قال بعضهم: يعنون: اليهود والنصارى.

وجائز أن يكونوا أرادوا بذلك الأمم جميعاً، لكنهم لم يروا الحق إلا لواحدة منها، فقالوا: { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } ، والله أعلم.

وقوله: { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً }: استكباراً في الأرض لما ذكرنا.

وقوله: { وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ }.

يحتمل مكرهم: ما مكروا هم برسول الله من أنواع المكر حين هموا بقتله وإخراجه؛ كقوله:وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ... } الآية [الأنفال: 30].

ويحتمل أيضاً أنه لما خرج ودعا الناس إلى توحيد الله، أقعدوا على الطرق والمراصد ناساً يقولون لمن قصد رسول الله: إنه ساحر، وإنه كذاب، وإنه مجنون؛ يصدون الناس بذلك عنه، فذلك كيدهم ومكرهم به، وقد كان منهم برسول الله من أنواع المكر سوى ذلك مما لا يحصى.

وقوله: { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ }.

هو في الدنيا من أنواع العذاب والقتل الذي نزل بهم، ويحتمل أن يكون ذلك في الآخرة، والله أعلم.

وقوله: { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ }.

قال بعضهم: ما ينظرون إلا سنته في الأولين، وسنته في الأولين الاستئصال والإهلاك عند العناد والمكابرة.

وقال بعضهم: ما ينظرون بإيمانهم إلا سنة الأولين: الإيمان عند معاينتهم العذاب، وإن كان لا يقبل ولا ينفعهم ذلك؛ كقوله:فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ... } الآية [غافر: 84].

وقوله: { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً }.

هذا يحتمل وجوهاً:

أحدها: { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ }: وهي الاستئصال عند العناد والمكابرة { تَحْوِيلاً } وإن اختلفت جهة الهلاك والاستئصال، كقوله:يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } [التوبة: 30]، وقوله:

السابقالتالي
2 3