الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } * { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } * { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قوله: { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ }: يا محمد، { مِنَ ٱلْكِتَابِ }: وهو القرآن، { هُوَ ٱلْحَقُّ }: أنه من عند الله، { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي: موافقاً للكتب التي قبله.

ثم يكون وفاقه إياها بأحد شيئين:

إما في الأخبار والأنباء: أن توافق الأنباء والأخبار التي في القرآن أنباء الكتب المتقدمة وأخبارها ويصدق بعضها بعضا، فكذلك كانت الكتب كلها داعية إلى توحيد الله والعبادة له والطاعة.

أو توافق الأحكام، فإن كانت الموافقة في الأحكام ففيها الناسخ والمنسوخ مختلفة؛ ألا ترى أن في القرآن ناسخاً ومنسوخاً، ثم أخبر أنه لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً، ولو كان الناسخ والمنسوخ خلافاً في الحقيقة لكان من عند غير الله على ما أخبر، فدل أن بينهما وفاقاً ليس باختلاف.

وقال بعضهم: إن محمداً يصدق ما قبله من الكتب والرسل، وهو ما ذكرنا: أن جميع الكتب والرسل: إنما دعوا الخلق إلى توحيد الله وعبادته.

وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ }.

أي: { لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } بما به مصالحهم، أو { لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } ، أي: على علم وبصيرة منه بتكذيب القوم رسلهم بعث الرسل إليهم لا عن جهل منه بذلك، وذلك لا يخرجه عن الحكمة كما قال بعض الملاحدة: إن ليس بحكيم من بعث الرسل إلى من يعلم أنه يكذبه ويرد رسالته، فهذا لو كان بعث الرسل لحاجة المرسل ولمنفعته يكون إرساله وبعثه إلى من يعلم أنه يكذبه ويردّ رسالته [عبثاً]، فأمّا الله - سبحانه وتعالى - يتعالى عن أن يرسل الرسل لحاجة أو لمنفعة بل لحاجة المبعوث إليه والمرسل [إليه]؛ فلم يخرج علمه برده وتكذيبه عن الحكمة، والتوفيق بالله.

أو أن يكون قوله: { لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } يخرج عن الوعيد، أي: عالم بأحوالهم وأفعالهم؛ ليكونوا أبداً على حذر ومراقبة، والله أعلم.

وقوله: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ }.

اختلف فيه:

قال بعضهم: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } هو ممن أخبر أنه اصطفاه للهدى من متبعي محمد، وهم أصحاب الكبائر في قول بعض.

وقال بعضهم: هم أصحاب الصغائر.

وقال بعضهم: هم أصحاب الصغائر والكبائر جميعاً.

ومنهم من يقول: هو في الناس جميعاً المتبع له وغير المتبع.

ثم اختلف في قوله: { ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ }:

قال بعضهم: هو المنافق الذي أظهر الموافقة لرسوله وأضمر الخلاف له.

وقال بعضهم: هم اليهود والنصارى، فقد آمنوا قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به.

وقال بعضهم: هم المشركون وقد أقسموا أنه لو جاءهم نذير:لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } [فاطر: 42].

فهؤلاء كلهم في النار، وما ذكر من الاصطفاء والاختيار على قول هؤلاء يكون لرسول الله؛ حيث بعث إليهم؛ ليدعوهم إلى توحيد الله.

السابقالتالي
2 3 4 5