الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } * { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

قوله: { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ }.

أي: كذلك يحيي الموتى، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم.

وقوله: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً }.

قال بعضهم: من كان يريد القوة والمنعة بعبادة الأصنام ومن عبدوا دونه، فلله العزة جميعاً، أي: فبعبادة الله وطاعته ذلك في الدنيا والآخرة، أي: فمن عنده اطلبوا ذلك عند الله من كان يريد ثواب الدنيا والآخرة، أي: من عنده اطلبوا ذلك في الدنيا والآخرة.

وقال بعضهم: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } أي: العزة والتعزيز { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } ، أي: فبالله يكون عز الدنيا والآخرة [لا] بالأصنام التي عبدتموها، وقد كان بعبادتهم الأصنام طلب الأمرين: طلب العز؛ كقوله:وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } [مريم: 81]، وطلب القوة والمنعة؛ كقوله:وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } [يس: 74]، فأخبر أن ذلك إنما يكون بالله وبطاعته، فمن عنده اطلبوا لا من عند من تعبدون دونه، والله أعلم.

وقوله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }.

اختلف فيه:

قال قائلون: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } هو الوعد الحسن، { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } هو إنجاز ما وعد، أي: إذا أنجز ما وعد من الوعد الحسن، ووفى ذلك الإنجاز الوعدَ الحسنَ وعدٌ.

قال بعضهم: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } هو كلمة التوحيد وشهادة الإخلاص، { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } أي: إخلاص التوحيد لله يرفع الكلم الطيب الذي تكلم به؛ فعلى هذا التأويل أي: يصعد الكلم الطيب إليه ما لم يخلص ذلك [إلا] لله.

وقال قائلون: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } هي كلمة التوحيد على ما ذكرنا، { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } أي: يرفع الله العمل الصالح لصاحبه - يعني: لصاحب الكلام الطيب - فعلى هذا التأويل: يصعد الكلم الطيب إليه دون العمل الصالح.

وبعض أهل التأويل: [قال:] يرفع الكلام: التوحيد، الطيب: العمل الصالح - إلى الله، وبه يتقبل الأعمال الصالحة.

وظاهر الآية أن يكون العمل الصالح هو الذي يرفع الكلم الطيب، لكن الوجه فيه - والله أعلم - ما ذكرنا من الوجوه.

وبعضهم يقول: إن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب، والوجه فيه ما ذكرنا.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ }.

قال عامة أهل التأويل: والذين يعملون السيئات.

وجائز أن يكون ما ذكر من مكرهم السيئات هو مكرهم برسول الله وأذاهم إياه؛ كقوله:وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ... } الآية [الأنفال: 30]، ويمكر الله بهم في الدنيا بالهلاك والقتل وفي الآخرة بالعذاب الشديد الذي حيث قال: { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } ، أي: هو يهلك؛ من البوار، وهو الهلاك، وهو قتلهم ببدر، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5