قوله: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } ، اختلف فيه: قال بعضهم: وذلك أنهم بعثوا بعثين قاصدين تخريب الكعبة، فلما بلغوا البيداء خسف أحدهما والآخر ينظر وينفلت منهم مخبر، فيحول وجهه في فقاه فيخبرهم بما لقوا؛ وذلك قوله: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } من الخسف والعذاب { فَلاَ فَوْتَ } عن عذاب الله { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ }. أو من تحت أقدامهم يخسف بهم الأرض؛ وعلى ذلك يخرج قوله: { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } [سبأ: 54] من تخريب الكعبة كما فعل بأشياعهم من قبل، وهم أصحاب الفيل؛ وعلى ذلك روي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه يغزو هذا البيت جيش حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فلا ينفلت منهم إلا واحد يخبر عنهم " ، قالت: يا رسول الله، وإن كان فيهم المكره؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يبعثون على نياتهم ". وقال بعضهم: قوله: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ } وهو عند الموت يفزعون منه، ولا فوت لهم عنه، { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي: على المكان. والحسن يقول: { فَزِعُواْ } من القبور { فَلاَ فَوْتَ } يقول: أخذوا عند ذلك وهو المكان القريب. وقال بعضهم: ذلك عند القيامة يفزعون عند معاينتهم العذاب، وأفزعهم ذلك ولا يفوتون الله. { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ }. وهو كقوله:{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ... } الآية [غافر: 84]؛ وكقول فرعون حين أدركه الغرق:{ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } [يونس: 90]، ونحوه. وقوله: { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }. قال بعضهم: { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أنهم سألوا الرجعة والرد أن ينالوه من مكان بعيد؛ قالوا: من الآخرة إلى الدنيا. وقال بعضهم: أي: لا سبيل لهم إلى الإيمان في ذلك الوقت، وقد كفروا به من قبل في حال الدعة والرخاء فلم يؤمنوا. وقال بعضهم: { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، أي: من حيث لا ينال ولا يكون؛ فذلك البعيد؛ كقول الله:{ أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت: 44]، أي: من حيث لا يكون أبداً ليس على إرادة حقيقة المكان. وقتادة يقول: هو عند الموت وعند نزول العذاب بهم، ليس من أحد بلغ ذلك الوقت إلا وهو يؤمن ويتمنى الإيمان لكن لا ينفع؛ كقوله:{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا... } الآية [الأنعام: 158] على ما ذكر. وقوله: { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }. قال بعضهم: معناه - والله أعلم -: وذلك أنهم كانوا في الدنيا يشكون في الآخرة، ويكفرون بالغيب، ويرجمون بالظن. وقال بعضهم: { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ } ، أي: يتكلمون بالإيمان من مكان تباعد عنهم، فلا يقبل منهم، وقد غاب عنهم الإيمان عند نزول العذاب، فلم يقدروا عليه، { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } ، من قبول التوبة والإيمان عند نزول العذاب بهم، أو عند معاينتهم إياه، كما فعل بأشياعهم من قبل، يقول: كما عذب أوائلهم من الأمم الخالية من قبل هؤلاء؛ لأنهم كانوا في شك من العذاب أو البعث والقيامة مريب.