قوله: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ }. قد ذكرنا الآيات والبينات في غير موضع. وقوله: { مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ }: كل رسول [يريد] أن يصد قومه عما كان يعبد آباؤهم من الأصنام والأوثان، لكن هذا القول من أولئك الرؤساء إغراء للأتباع على الرسل، يقولون: ألا ترون أن واحداً قد خالف الآباء في دينهم، ويريد أن يصدّكم عن دين آبائكم. و { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى }. أي: ما يدعو محمد إليه ليس إلا إفك مفترى. و { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }. وقوله: { لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } ، أي: ما جاء للحق وهو القرآن والتوحيد من البيان والإيضاح له أنه الحق، وأنه من عند الله جاء، وهو الآيات والبراهين التي جاءت له أنه حق وأنه من عند الله جاء، لا أنه مفترى وإفك وسحر ما تزعمون، ولم تزعموا، ولم يزل طعن أولئك الكفرة في الآيات والحجج: بأنها سحر، وأنها إفك، وأنها مفترى، يلبسون بذلك على أولئك الأتباع والسفلة، ويموهون عليهم ويغرون؛ لئلا يتبعوه، ويستسلموا لهم، والله أعلم. وقوله: { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } ، وهو - والله أعلم - صلة { مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ } وقالوا { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } ، وقولهم: { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، يقول - والله أعلم - جواباً لقولهم: { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا } فتخبرهم أن ما يقول محمد إفك مفترى، ولا أرسلنا إليهم أيضاً من قبله رسولا يخبرهم: أنه كذب مفترى، وظهور الكذب في القول والخبر إنما يكون بأحد هذين الأمرين إما بكتاب أو نبي، وهم لا يؤمنون بكتاب ولا نبي، فكيف يدعون عليه الكذب والافتراء؟! يخبر عن سفههم وقلة عقولهم وعنادهم بعدما خصهم - عز وجل - وفضلهم على غيرهم من البشر؛ حيث بعث الرسول منهم ومن أنفسهم، والكتاب على لسانهم وبلغتهم بعد قسمهم: إنه لو بعث إليهم نذيراً ورسولا اتبعوه حيث قالوا:{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } [فاطر: 42] لم يؤمنوا به، ولم يعرفوا منة الله عليهم وخصوصيتهم فيما خصهم، والله أعلم. وقوله: { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ }. يذكر رسوله ويصبره على تكذيب أولئك له، يقول: قد كذب الذين كانوا من قبلهم رسلهم، لست أنت بأول مكذب بل كذب إخوانك من قبل، والله أعلم. وقوله: { وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ }. يقول - والله أعلم -: لم يبلغ هؤلاء الذين كذبوك عشر أولئك في القوة والغناء والفضل والعلم والأتباع والأعوان وغير ذلك مع ما كانوا كذلك لم يقوموا في دفع العذاب الذي نزل بهم بالتكذيب عن أنفسهم، فقومك الذين هم دون أولئك بما ذكروا أحق ألا يقوموا لدفع العذاب عن أنفسهم إذا نزل بهم بالتكذيب.