الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } * { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ }

قوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً }.

أي: علما، كقوله:وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } [النمل: 15].

وقال بعضهم: { فَضْلاً } ، أي: نبوة.

وقال بعضهم: الفضل: هو الملك الذي آتاه الله.

وجائز أن يكون ما ذكر من الفضل أنه آتاه - هو ما ذكر على أثره من تسخير الجبال والطير والتسبيح معه، وإلانة الحديد له بلا نار ولا شيء؛ حتى اتخذ منه ما شاء أن يتخذ من الدروع وآلات الحروب، وقد أتى الله داود من الفضل ما لو تكلفنا عدّه وإحصاءه ما قدرنا عليه.

وقوله: { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ }.

قيل: سبحي معه.

وقوله: { وَٱلطَّيْرَ }.

من نصب الطير جعلها مسخرة له؛ كأنه قال: سخرنا له الطير. ومن رفعها جعله على النداء: يا طير أوبي معه، أي: سبحي معه.

ثم اختلف في تسبيج الجبال والطير.

قال بعضهم: تسبيح خلقة لا تسبيح قول ونطق؛ لما جعل في خلقة كل شيء الشهادة له بالوحدانية والألوهية، لكن ذكر هاهنا: أن سبحي معه، ولو كان تسبيح خلقة لم يكن لذكر التسبيح مع داود فائدة؛ لأن تسبيح الخلقة يكون كان معه داود أو لم يكن؛ ولكن جائز أن يجعل الله - تعالى - في سرّية الجبال من التسبيح ما يفهم منها داود، ولم يفهم غيره؛ على ما ذكرنا في قول النملة لسائر النمل؛ حيث قال:قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ... } الآية [النمل: 18]: جعل الله - تعالى - في سرية النمل معنى ألقى ذلك في مسامع سليمان؛ ففهم منها ذلك، ولم يلق ذلك في مسامع غيره من الجنود؛ فعلى ذلك تسبيح الجبال والطير، والله أعلم.

وقوله: { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ }.

جعل له آية لنبوته؛ لما ألان له الحديد بلا نار ولا سبب يلينه؛ حتى كان يعمل منه ما شاء، ولم يجعل في وسع أحد من الخلائق سواه استعمال الحديد إلا بالنار وأسباب أخر؛ ليكون له في ذلك آية.

وقوله: { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ }.

كأنه قال: { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } ، وقلنا له: { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ }.

قال بعضهم: السابغات: هي الدروع.

وقال بعضهم: هي الواسعات.

وقيل: هي الطوال.

فكأنه أمر أن يتخذ من الدروع ما يأخذ من الرأس إلى القدم ما يصلح لحرب العدوّ.

وقوله: { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ }.

قال بعضهم: كانت الدروع قبل ذلك صفائح مضروبة، فسرد نبي الله حلقها بعضها في بعض، والسرد: المسامير والحلق، يقول: قدر المسامير في الحلق: لا بدق المسامير وتوسع الحلق؛ فتسلسل، ولا تضيق الحلق وتعظم المسامير فتقصم وتكسر؛ ولكن مستوياً لتكون أحكم.

قال أبو عوسجة والقتبي: { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } ، أي: في النسج، أي: لا تجعل المسامير دقاقاً؛ فتقلق، ولا غلاظاً؛ فتكسر الحلق؛ ومنه قيل لصانع الدروع: سرّاد، وزرّاد؛ كما يقال: صراط وسراط وزراط.

السابقالتالي
2 3 4