الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }

قوله: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }.

يقول بعض أهل التأويل كذلك: إنها نزلت في رجل يقال [له]: أبو معمر، وكان من أحفظ الناس وأوعاهم؛ فقالوا: إن له قلبين: قلب يسمع، وقلب يحفظ ويعي؛ فنزل: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }.

ويقول بعضهم كذلك: إنها نزلت في أبي معمر، وكان يسمى: ذا قلبين؛ لحفظه الحديث، حتى إذا كان يومُ بدر، وهُزم المشركون - وفيهم أبو معمر - يلقاه أبو سفيان بن حرب، وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله؛ فقال: يا أبا معمر، ما فعل الناس؟ قال: انهزموا، فقال: ما بال نعلك في يدك والأخرى في رجلك؟ فقال: ما شعرت إلا أنهما جميعاً في رجلي؛ فعرفوا يومئذ أنْ لو كان له قلبان ما نسي نعله في يده. ونحوه قد قيل، ولكن لا ندري ما سبب نزول هذا.

وروي عن ابن عباس: أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوماً، فخطر خطرة - أي: وقع في قلبه - فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترى أن له قلبين: قلبا معكم، وقلبا معهم؛ فأنزلت هذه الآية.

وهذا يشبه أن يكون سبب نزول الآية، أو أن يكون نزولها في المنافقين، وذلك أنهم كانوا يصلون مع النبي والمؤمنين، ويرون الموافقة لهم من أنفسهم، ويقولون:نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } [المنافقون: 1]، ثم يرجعون إلى أولئك فيقولون:إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } [البقرة: 14] ونحوه؛ فذكر هذا: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } ، أي: دينين في جوفه: الإيمان والنفاق، أو { قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }: قلبا لهذا، وقلبا للآخر.

أو نزلت في المشركين الذين يقرون بالوحدانية لله، وأنّه هو الخالق؛ كقوله:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [لقمان: 25]، ويعبدون الأصنام مع هذا؛ فيقول - والله أعلم -: لم يجعل لرجل قلبين في جوفه: قلباً للشرك، وقلباً للإيمان والتوحيد؛ ولكن جعل قلباً واحداً لأحد هذين، أي: قلباً لقبول الشرك، وقلبا لقبول الإيمان.

وبعضهم يقول: هو على التمثيل، أي: كما لم يجعل لرجل واحد قلبين؛ فكذلك لا يكون المظاهر من امرأته: لا تكون امرأته أمه في الحرمة، ولا يكون دعيّ الرجل ابنه، يقول: نزلت في النبي وزيد بن حارثة، كان النبي تبناه، [و]كانوا يسمونه زيد بن محمد، فجاء النهي عن ذلك؛ فقال: { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } ، إلى هذا يذهب عامة أهل التأويل.

وبعضهم يقول: تأويل قوله: { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ }.

أي: لم يجعل للرجل نسبين ينسب إليهما.

وأصله عندنا: أن قوله: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }: ما ذكرنا، ولم يجعل أزواجكم اللائي تستمتعون بهن بالتشبيه بالأمهات كالأمهات، أي: لم يحل لكم ذلك ولم يبح ولم يشرع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6