الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } * { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } * { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } * { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

قوله: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }.

قال بعضهم: ذلك حيث كان يباشر القتال بنفسه، فباشروا معه القتال [فمن باشر معه القتال] أساه بأسوة حسنة، ومن لم يفعل فلم يواسه.

وابن عباس يقول: { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ، أي: سنة صالحة أو نحوه.

مثل هذا إنما يذكر عن زلات تكون إما من المنافقين أو من المؤمنين، فيقول: لكم في التأسي برسول الله الاقتداء والقدوة به، فهو يخرج على وجوه:

أحدها: أي: لقد كان لكم في رسول الله قبل أن يبعث رسولا، وقبل أن يوحى إليه فيما عرفتموه من حسن خلقه وكرمه وشرفه وأمانته - أسوة حسنة؛ فكيف تركتم اتباعه إذا بعث رسولا؟!

والثاني: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ } ، أي: صار لكم { فِي رَسُولِ ٱللَّهِ } إذا بعث رسولا { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }: فيما أنزل إليه وأوحي إليه، وفيما شاهدتموه من حسن خلقه وكرمه؛ فالواجب عليكم أن تتأسوا به.

والثالث: لقد كان لكم بالمؤمنين أسوة استوائهم لو اتبعتم ما شرع لكم رسول الله وسن.

أو الأسوة: هي الاستواء؛ كقول الناس: " فلان أسوة غرمائه " ، أي: يكون المال بينهم على الاستواء، هذا - والله أعلم - يشبه أن يكون تأويل الآية.

وقوله: { لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ }.

قال بعضهم: يكون في رسول الله أسوة لمن خاف الله وآمن باليوم الآخر وبجزاء الأعمال، فأما المنافق والذي لا يؤمن بالبعث، فلا يكون فيه أسوة له.

وجائز أن يكون قوله: { لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ } ، أي: لقد كان لكم أسوة حسنة، ولمن كان يرجو الله واليوم الآخر.

أو أن يكون لكم في رسول الله أسوة حسنة، وفيمن كان يرجو الله واليوم الآخر، والله أعلم.

وقوله: { وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً }.

ذكر الله يحتمل في نعمته وإحسانه، يذكر بالشكر له وحسن الثناء، أو يذكر سلطانه وملكه أو جلاله وعظمته وكبرياءه، والله أعلم.

وقوله: { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ }.

حيث أخبرهم أنكم ستلقون كذا في قوله:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ } [البقرة: 214]: قالوا لما عاينوا ما وعد لهم وأخبرهم:

{ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } فيما أخبرنا من الوحي قبل أن يكون وقبل أن نلقاه.

{ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً }.

أي: ما زادهم إلا إيماناً ما رأوا وعاينوا، فيما وعد وأخبر، إلا إيماناً وتصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في وعده وخبره.

وقال قائلون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعد لهم وأخبر: أن يوم الخندق تكون من الأحزاب كذا والجنود كذا، وإنكم ستلقون يومئذ كذا، فلما رأوا ذلك وعاينوه قالوا عند ذلك: { هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً } وتصديقاً لرسول الله؛ لأن ذلك آية وحجة لرسالته؛ فهو يزيدهم تصديقاً له.

السابقالتالي
2 3 4 5