الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } * { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } * { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } * { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً }

قوله: { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }.

يحتمل أن يكون قوله: { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }: هما واحد، وهم المنافقون.

وجائز أن يكون المنافقون هم الذين أضمروا الخلاف له، وأظهروا الوفاق، على إبانة الحق لهم وظهوره، { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }: هم الذين كانوا مرتابين في ذلك، لم يبن لهم ذلك، ولم ينجل قالوا هذا.

{ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً }:

قال عامة أهل التأويل: الذي وعد لهم فتوح البلدان، قالوا لما أحاط بهم - أعني: بالمؤمنين - الكفار قال ذلك المنافقون.

وقوله: { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ }.

قيل: { يَثْرِبَ }: المدينة، ويقال: { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ }: يأهل المدينة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قال للمدينة: يثرب، فليستغفر الله ثلاثاً؛ هي طابة هي طابة "

ثم قال بعضهم: إن قوله: { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ } إنما قاله أهل النفاق لبعضهم: { لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ }.

ثم يحتمل قوله { لاَ مُقَامَ لَكُمْ } وجهين:

أحدهما: ما قالوا: { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } من الفتح والنصر { إِلاَّ غُرُوراً }.

والثاني: { لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ }؛ لما لم يقع عندهم أنهم يصلون إلى ما كانوا يطمعون ويأملون؛ لأنهم كانوا يخرجون رغبة في الأموال وطمعاً فيها، وهو ما وصفهم:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ... } الآية [الحج: 11].

وجائز أن يكون هذا القول من المؤمنين لأهل النفاق؛ فإن كان من المؤمنين لأولئك فالوجه فيه: أنهم أرادوا أن يطردوهم؛ لفشلهم ولجبنهم؛ لئلا يهزموا جنود المؤمنين بانهزامهم؛ لأنهم قوم همتهم الانهزام فإذا انهزموا هم انهزم غيرهم؛ فالمعنى: إذا كان ذلك من المؤمنين لهم غير المعنى إذا كان [من] أهل النفاق بعضهم لبعض، والله أعلم.

وقوله: { وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ }.

بالرجوع إلى المدينة، كقوله:إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } [التوبة: 45].

وقوله: { يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ }.

قال بعض أهل التأويل: { بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ }: خالية من الناس، ليس فيها أحد، فنخاف السرق عليها والأخذ والمكابرة.

ويحتمل أن يكونوا أرادوا بالعورة دخول العدوّ عليها إذا كانوا هم في الجند، العورة، أي: يدخل علينا مكروه ما يحزننا ويهمُّنا، أو كلام نحو هذا، فأكذبهم الله في قولهم، وقال: { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } ، بل الله يحفظها على ما وعد، حتى لا يدخل عليهم مكروه لما يخافون ولا يصيبهم.

وقوله: { إِن يُرِيدُونَ } ، أي: ما يريدون { إِلاَّ فِرَاراً } من القتال.

وقوله: { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا }.

هذا يحتمل وجهين:

أحدهما، أي: لو دخلوا عليهم من أطراف المدينة ونواحيها، ثم دعوا إلى الشرك لأجابوهم، { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } ، أي: لم يمتنعوا عن إجابتهم، بل لأجابوهم به كما دعوا.

السابقالتالي
2 3 4