الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

قوله - عز وجل -: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ }.

جائز أن يكون ظاهر الخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو للناس عاما؛ ألا ترى أنه قال على أثره: { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } خاطب به الجماعة، وقد خاطب رسوله في غير آي من القرآن، والمراد به غيره؛ فعلى ذلك جائز أن يكون هذا كذلك.

ويشبه أن يكون المراد بالخطاب - أيضاً - خاصة، لكن إن كان ما خاطب به مما يشترك فيه غيره - دخل في ذلك الخطاب وفي ذلك النهي، وإن كان مما يتفرد به من نحو: تبليغ الرسالة إليهم، وما تضمنته الرسل، وإن خاف على نفسه القتل والهلاك فإن عليه ذلك لا محالة، كقوله:يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ... } الآية [المائدة: 67].

وأما أهل التأويل فمما اختلفوا فيه:

قال بعضهم: نزلت الآية، وذلك أن نفرا من أهل مكة - أبو سفيان بن حرب، وعكرمة ابن أبي جهل، وأبو الأعور السلمي، وهؤلاء - قدموا المدينة، فدخلوا على عبد الله بن أبي رئيس المنافقين بعد قتلى أحد، وقد أعطاهم النبي الأمان على أن يكلموه، فقالوا للنبي وعنده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات، وندعك وربك؛ فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله - تعالى - هذه الآية: { ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } ، وفيهم نزل:وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ } [الأحزاب: 48].

وفي بعض الروايات: قالوا ذلك - وعنده عمر بن الخطاب - فقال: " يا رسول الله، ائذن لي في قتلهم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني قد أعطيتهم الأمان " ، فإن كان على هذا فالنهي: عن نقض العهد والأمان.

وإن كان على الأول: فالنهي عن اتباع ما طلبوا منه من رفض آلهتهم والعبادة لها.

وبعضهم يقولون: إن أهل مكة نحو: شيبة بن ربيعة وهؤلاء قالوا له: إنا نعطيك يا محمد كذا كذا من المال، ونزوجك كذا كذا امرأة كثيرة المال؛ فارفضنا وآلهتنا؛ وإلا قتلك المنافقون: فلان وفلان، عدّوا نفراً؛ فأنزل الله - تعالى - الآية في ذلك بالنهي عن اتباع ما طلبوا منه ودعوه إليه، وأمره بالتوكل على الله في ترك الاتباع لهم.

وأصله ما ذكرنا: أن النهي - وإن كان له خاصة - فيما ذكر فهو - وإن كان معصوماً - فالعصمة لا تمنع الأمر والنهي - بل العصمة إنما تنفع إذا كان ثمة نهي وأمر؛ إذ لولا النهي والأمر لكان لا معنى للعصمة ولا منفعة لها، والله أعلم.

السابقالتالي
2